يوجَب ملْك النصاب في الزكاة عند إنقضاء الحَوْل، كان من قال به جَعَل الحِنْث شرطاً، واحتج له بأن الكفارة منسوبة إلى اليمين؛ على ما قال تعالَى: {ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ} [المائدة: 89] فتكون اليمينُ سبباً لها، ككفارة الوقاع، وكما يُقال: حَدُّ الزنا وحدُّ الشرب، وهذا ما أورده في الكتاب.
وأظهُرهما: عند عامة الأصحاب -رحمهم الله-: أن السببَ اليمينُ والحِنْثُ جميعاً: لأنه لو كان السببُ مجرَّدَ اليمين، لوجبت الكفارة، وإن لم يوجد الحِنْث، وعن أبي حنيفةَ: أن السببَ الحِنْثُ، واليمينُ سببٌ لتحريم الحِنْث، وهذا كما أن الإحرام يُحَرِّم الوطء واللبس، والوطء يوجب الكفارة، فيجوز أن يُعلَم؛ لما ذكرنا قوله في الكتاب أما السبب فهو اليمين بالحاء والواو، وإذا تقرَّر ذلك، ففي الفصل مسألتان:
أحدهما: يجوز تقديم الكفارة على الحِنث، وبه قال مالك وأحمد؛ خلافاً لأبي حنيفةَ -رحمهم الله-.
لنا: ما رُوِيَ أن النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ لعبْدِ الرحْمن بْنِ سُمرَة: "إِذَا حَلَفْتَ عَلَىَ يَمِينٍ، فَرَأَيْتَ غيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا، فَكَفُرْ عَنْ يَمِينِكَ، ثُمَّ ائْتَ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ" وأيضاً (?) فإن الكفارة حقٌّ مالي يتعلَّق بسببين، فجاز تعجيله بعْد وجود أحد السببين، كتعجيل الزكاة بعْد وجوب النِّصَاب، والأَوْلَى أن يُؤخِّر التكفير عن الحِنْث للخروج عن الخلاف، هذا إذا كان يكفر بغير الصوم ولم يكن الحِنْث بارتكاب محظور، فأما إن كان يكفر بالصوم، فظاهر المذهب: أنه لا يجوز قبل الحنث؛ لأن الصوم عبادة بدنية، والعبادات البدنية لا تقدَّم على الوقت، إذا لم يكن حاجة ماسَّةٌ؛ كالصلاة وصوم شهر رمضان، وأيضاً، فإن الصوم إنما يجوز التكفيرُ به عند العجْز عن جميع الخِصَال المالية، وإنما يتحقَّق العجْز بعد الوجوب، وفيه وجْهٌ: أنه يجوز التكفير به قبل الحِنْث كسائر الخصال، وفي "شرح مختصر الجويني": أن أبا زيدٍ حكاه قولاً عن القديم، وبه قال مالك، ويُروَى مثلُه عن أحمدَ -رحمهما الله- وقد يحتج له بظاهر قوله -صلى الله عليه وسلم- "فَلُيْكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ ثُمْ ليَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ" وان كان الحِنثُ بارتكاب محظور؛ بأن حلف ألاَّ يشرب الخمر، فهل يجزئه