واحتيج إليه، وقال: الإِمام ولو تُصوّر شخْص لا يضرُّه تعاطِي السموم (?)، لا يَحْرُم عليه، وفي "بحر المذهب" للقاضي الرويانيِّ: أن النبات الذي يسكر، وليست فيه شدة مطربة، يحرم أكله، ولا حدَّ على آكله (?)، ويجوز استعماله في الدواء، وإن أفضى إلى السُكْرِ، إذا لم يكن منه بد، وما يُسْكِر مع غيره، ولا يسكر بنفسه، إن لم يُنتفع به في دواء وغيرِه، فيَحْرُم أكله، وإن كان يُنْتفع به في الدواء، حَلَّ التداوي به.
قَالَ الغَزَالِيُّ: (الفَصْلُ الثَّانِي فِي حَالِ الاضْطِرَارِ): وَجَمِيعُ المُحَّرَمَاتِ تُبَاحُ بِالضَّرُورَةِ لَكِنِ النَّظَرُ فِي حَالِ الضَّرُورَةِ وَحَدِّ المُسْتَبَاحِ وَجِنْسِهِ، وَحَدّ الضَّرُورَةِ وَأنْ يَخَافَ عَلَى نَفْسِهِ الهَلاَكَ أَو مَرَضاً مَخوُفاً فِي جنْسِهِ، فَإنْ كانَ مَخُوفاً لِطُولهِ وَعُسْرِ عِلاَجِهِ فَوَجْهَانِ، وَإِذَا جَازَ الأَكْلُ وَجَبَ، وَقِيْلَ: يَجُوزُ الاسْتِسْلاَمُ وَالتَّوَرُّعُ كَدَفْعِ الصَّائِلِ وَلاَ أَصْلَ لَهُ.
قَالَ الرَّافِعِيُّ: يُبَاحُ للمضطَرَّ، إذا لم يجد الحلال، أكلُ المحرمات من الميتة والدم ولحم الخنزير وما في معناها؛ على ما قال تعالَى: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ} [البقرة: 173] وقال تعالَى: {إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} [الأنعام: 119] وهل يجبُ عليه الأكل؟ وفيه وجهان:
أصحهُّما: نعم، وإلا، فهو ساعٍ في إهلاك نفسه، والله تعالى يقول: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: 195] وقال تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} [النساء: 29] وهذا كما أنه يجب دفع الهلاك بأكل الطعام الحلال.
والثاني: وبه قال أبو إسحاق: لا يجبُ؛ لأنه قد يريد التورع؛ لتردده في الانتهاء إلى حد الضرورة، كالمصول عليه؛ يتردَّد في القدر الدافع للصائل فيتورع، وقد ذكر، أنه مخرج من قول جواز الاستسلام هناك، وفُرق بينهما بأن المستسلم للصائل يُؤْثر مهجته على مهجته، وهاهنا بخلافه، وهذه الصورة مؤخرة في الكتاب عن هذا الموضع، وهي به أليق، ثم كلام هذا الفصل الثاني في ثلاثة أطراف:
أحدها: في صفة الضرورة وحدِّها، ولا خلاف في أن مطلق الحاجة إلى الطعام بل الجوع القوى لا يكفي لتناول الحرام، وأنه لا يجب الامتناعُ إلى أن يُشْرِف على الموت، فإن التناول حينئذٍ لا ينفع ولا يدفع الهلاك، ولو انتهى إلى تلك الحالة، لم