هكذا ذكر في "الوَسِيط" ويجوزُ أَنْ يُقَدَّرَ أنه قصد ذِكْرَ أحدٍ القَوْلَيْن، وتركَ الثاني.
وقولُه: "ثم الأَحْسَنُ التصدقُ بالجمِيع، والتبرُّكُ بأَكْلِ لُقْمة". فيه معنى الاستثناءِ، أَي التَّصدُّق بالجمِيع سِوَى لُقْمةِ يتبرك بأَكْلها، وإلاَّ فالتصُّدقُ بالجمِيعِ، وأَكْلُ البعْضِ لا يجتمعانِ.
وقولُه: "ويتَأدَّى كَمَالُ الشّعارِ بكَذَا" يريدُ أنه الدرجةُ المرضِيّة المُسْتَحبّة، ويجوزُ أَنْ يكُونَ فَوْقَها ما هو أَحَبُّ مِنْها، وهذا كما يُقال في تَسْنبِيحات الركُوع والسُّجُودِ: الأفْضَلُ كذا، وأَدْنَى الكمالِ كَذَا.
وقوله: "التصدُّقُ بالثلثِ، ويأْكُلُ الثلثَ، ويدَّخِرُ الثلثَ" نذكر فيه أَوَّلاً حُكْمَ الادِّخَارِ، ثُمَّ تعودُ إلى ما يتعلَّقُ بالكتاب خاصَّةً.
أَمَّا الأولُ: قال العلماءُ: كان ادخارُ الأُضْحية فوقَ الثلاثِ مَنْهِيّاً عنه، ثم أَذِنَ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- فيه لَمَّا رَاجَعُوهُ. وقال: "كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ مِنْ أَجْلِ الدَّافّة وَقَدْ جَاءَ اللهُ تَعَالَى بِالسَّعَةِ فَادَّخِرُوا مَا بَدَا لَكُمْ" (?).
والدَّافَّةُ: جماعةٌ كانوا قد دخلوا المدِينَة قد أَفْحَمَتْهُم السَّنَةُ في البادِيَةِ، فأرادوا أَنْ يُوَاسُوهم، ويَتَصدَّقُوا عليهم.
والدَّفِيفُ: سَيْرٌ فيه سُرْعَة وتَقَاذُفُ (?) خُطًى ويُقَالُ: هو السَّيْرُ اللَّيْنُ تقول منه: دَفَّ يَدِفُّ. وقيل: الدَّافَّةُ: النَّازِلَةُ، ودَفَّ القومُ بموضِع كذا؛ أَيْ: نزلوا والمشهورُ أن النهيَ أَوَّلاً كان نَهْيَ تَحْريمٍ.
وعن "صاحب الإِفْصَاح" أنه يحملُ على [الإرْشَادِ] (?) وَالاِسْتِحْبَابِ وذكروا تَفْرِيعاً على الأول وَجْهَيْن: في أَنَّ ذَلك التحريمَ كان عاماً ثم نُسِخ؛ إذ كان مَخْصُوصاً بتلك الحالَةِ الحادِثَةِ، فلمّا انتهت انتهى التحريمُ.
ووجْهِيْن تَفْرِيعاً على الثاني: في أنه لو حَدَثَ مِثْلُ ذلك في زَمَانِنَا وبِلاَدِنَا، هل يُحْكَمْ بالتحرِيمِ؟
والظاهِرُ أنه لا يُحَرّمُ اليومَ بمالٍ. وأمَّا مَا يتعلَّقُ بالكتابِ فما تعرض له مِنْ الإدِّخَار