يَجُز له القَتْلُ، وإن حكم بالقَتْلِ، فله أن يَمُنَّ عليهم؛ لأن سعداً حَكَم بقَتْل الرجال، فاسْتَوْهَبَ ثابتُ بن قيس الزُّبَيْرَ بن باطا من رَسُولِ الله -صلى الله عليه وسلم- فوهبه منه (?)، وله الاسْتِرْقَاقُ إن شاءَ في أَحَدِ الوَجْهَيْنِ؛ لأنَّهُ دون القَتْل أيضاً.
ولا يجوزُ في الثاني؛ لأنَّه [يَتَضَمَّنُ ذُلاًّ مُؤَبَّداً] (?)، وقد يختار الإنسان القَتْلَ عليه، وهذا ما اخْتَارَهُ الصَّيْدَلاَنِيُّ، وبه أجاب صاحبُ "التهذيب" وغيرُهُ تَعْليلاً بأنَّه لم ينزل على هَذَا الشرطِ. وإن حُكِمَ بالاسترقاقِ لمْ يَجُزِ المَنُّ إلاَّ برضا الغانمين؛ لأنَّهُ صَارَ مَالاً لهم، وإن حُكِمَ بِقَبُولِ الجِزْيَةِ، فهل يجبرون عليه؟ فيه وَجْهَان.
أحدهما: لا؛ لأنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ، فيعتبر فيه التَّرَاضِي، وهذا كما أنَ الأسِيرَ لا يجبر على قَبُولِ الجِزْيَةِ.
والثاني: نَعَم، والمَيْلُ إليه أكْثَرُ؛ لأنَّهُمْ رَضُواِ بحكمه أولاً بخلاف الأسير؛ لأنَّهُ لم يَرْضَ بحكم الإِمام.
فإن قُلنا: لا يجبرون عليه، بَلَغُوا المَأْمَنَ، ولم يتعرض لهم، وإن قلنا: يجبرون، وامتنعوا فَهُمْ كَأَهْلِ الذِّمَّةِ، إذَا امتنعُوا من بَذْلِ الجِزْيَة، قبل (?) قبولها، وقد يقال إنهم يغتالونُ على ما سيأتي. إن شاء الله تعالى، وأُجُرِيَ الوجهان في ما إذا حكم بالمُفَاداة أيضاً.
قال الغَزَالِيُّ: وَلَوْ حَكمَ بالإِرْقَاقِ فَأَسْلَمَ وَاحِدٌ قَبْلَ الإِرْقَاقِ فَفِي جَوَازِ إرْقَاقِهِ وَجْهَانِ* وَكذَا الخِلاَفُ فِي كُلِّ كَافِرٍ لاَ يُرَقُّ بِنَفْسِ الأَسْرِ إذَا أسْلَمَ قَبْلَ الإِرْقَاقِ* وَلَوْ شَرَطَ أَنْ يُسَلَّمَ إلَيْهِ مِائَةُ نَفَرْ فَعَدَّ مِائَةً قَتَلْنَاهُ لأنَّهُ وَرَاءَ المِائَةِ.
قال الرَّافِعِيُّ: هذه البقية تشتمل على ثَلاثِ صور:
إحداها: من أَسْلَمَ منهم قَبْلَ الحُكْم عليه، حُقِنَ دَمُهُ وَمَالُهُ، ولم يجز إسترقاقُهُ، بخلاف الأَسِير يسلم؛ لأنَّهُ صار في قَبْضَةِ الإمام، وثبت بالسَّبْي حَقُّ الاسترقاق فيه، ومن أسلَمَ بَعْدَ الحُكُمِ بالقَتْلِ، امتنع قَتْلُهُ، فإن كَان قد حُكِمَ بقتل الرِّجَالِ، وسَبْي النِّسَاء والذرية، لم يندفع بإسلامِ الرجالِ إلا قَتْلهُمْ. وهل يجوزُ اسْتِرقَاق المَحْكُوم بقتله إذا أسْلَمَ.
نقل الروياني وغَيْرُهُ أنَّهُ لا يَجُوزُ؛ لأنهُم ما نزلوا على هذا الشَّرْطِ، فيطلقهم، ولا يُفَادِيهِمْ بِالمَالِ، ويجيء على تجويز اسْتِرقَاقِه لو لم يسلم؛ أن يجوز استرقاقه بعد