يُغْتَالُ* وَمَنْ دَخَلَ مِنْهُمْ لِسِفَارَةٍ أَوْ لِسَمَاعِ كَلاَمِ اللهِ تَعَالَى لَمْ يُفْتَفَرْ إِلَى عَقْدِ أَمَانٍ بَلْ ذَلِكَ القَصْدُ يُؤَمِّنُهُ* وَقَصْدُ التِّجَارَةِ لاَ يُؤَمِّنُهُ وَإنْ ظَنَّهُ أَمَاناً* وَلَوْ قَالَ الوَالي: أَمِنْتُ مِنْ قَصْد التِّجَارَة صَحَّ* وَلاَ يَصِحُّ مِنَ الآحَادِ* فَإِنْ ظَنَّ الكَافِرُ صِحَّتَهُ فَلاَ يُغْتَالُ عَلَى أَحَدِ الوَجْهَيْنِ.

قال الرَّافِعِيُّ: ينعقدُ الأَمَانُ بِكُلِّ لَفْظٍ مُقَيّدِ للغرض صَرِيحًا كان، أو كِنَايَةً فالصَّرِيحُ كَقَوْلِهِ: "أَجَرْتُكَ، أو أنت مُجَارٌ، أو أَمَّنْتُكَ، أو أنت آمِنٌ، أو في أَمَانِي".

قَالَ في "البحر": وكذَا لو قَال: "لاَ بأْسَ عَلَيْكَ" وَيدُلُّ عليه ما رُوِيَ أنَّ الهرمزَانَ لمَّا حَمَلَهُ أبو موسى الأشْعَرِيُّ إلى عُمَرَ -رضي الله عنه- فقَالَ لَهُ عُمَرُ: تكلمْ لا بَأْسَ عَلَيْكَ، ثم أراد قَتْلَهُ. فقَالَ له أَنَسُ بن مَالِكٍ -رضي الله عنه-: ليس لك إلى قَتْلِهِ سَبِيلٌ قُلْتَ له: تَكَلَّمْ لا بَأْسَ عليك فتركه (?).

وفي إيراد بعضهم ما يَقْتَضِي كَوْنَهُ كِفَايَةً، واعترض عليه في قِصَّةِ الهرمُزَان بأنه كان أَسِيرًا، وقد قُلْتُمْ بأن الأَسِيرَ لا يَجُوزُ أَمَانُهُ، وأُجِيبَ عنه بأنَ الآحَادَ هُمُ الَّذِينَ لا يُؤَمِّنُونَ الأَسِيرَ، أما الإمَامُ فله الأَمَانُ، كَمَا له المَنُّ ويَنْعَقِدُ الأَمَانُ بأنْ يقول: لا خَوْف عَلَيْكَ، ولاَ تَخَفْ وَلا تَفْزَعْ، أو يقول بالعجمية ميدس مترس (?).

رُوِي عن ابن مَسْعُودٍ -رضي الله عنه- أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ اللهَ -تَعَالَى- يَعْلَمُ كُلَّ لِسَانٍ، فمن أَتَى مِنْكُم أَعْجَمِيّاً، فَقَالَ: مترس فقد أَمَّنَهُ (?).

وعند الرُّويَانِيِّ أنَّ هذه الألْفَاظَ أَيضاً صَرِيحَةٌ، وحَكَى صَاحِبُ "الحاوي": أَنَّ قَوْلَهُ: لا خَوْفَ عليك -صَريحٌ دُونَ قوله: لاَ تَخَفْ، ولا تفزع؛ لأنَّ ذَلِكَ نَفي للخوف وهذَا نَفْيٌ. [والكناية كقوله] (?): أَنْتَ عَلَى ما تُحِبُّ، أو كُنْ كَيْفَ شِئْتَ.

وينْعَقِدُ الأَمَانُ بالكِنَايَةِ والرِّسَالَةِ أيضاً، سواءٌ أكان الرَّسُولُ مُسْلِمًا أو كَافِرًا.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015