"وَقَدِمَ علَيْهِ قَوْمٌ مِنْ ثَقِيفٍ فَأنْزَلَهُمْ فِي الْمَسْجِدِ، وَلَمْ يُسْلِمُوا بَعْدُ" (?).
وهل يدخلها بغير إذن أحد من المسلمين؟ فيه وجهان:
أحدهما: نعم؛ لأنه ببذل الجزية فصار من أهل دار الإسلام، والمسجد من المواضع العامة فيها فصار كالشوارع، وهذا أظهر عند القاضي الروياني، وجماعة.
والثاني: وهو الأصح عند الأكثرين ولم يذكر صاحب "التهذيب" و"التتمة" سواه؛ أنه ليس له ذلك ولو فعله عزر، ووجهه: أنه لا يؤمن أن يدخل على غفلة من المسلمين فيلوثه، ويستهين به، ولأنه ليس من أهل [ما] (?) بني المسجد له "وكان المسجد مختصاً بالمسلمين" اختصاص دار الرجل به، وذكر في "التهذيب": أنه لو جلس الحاكم في المسجد يحكم فللذِّمِّي الدخول للمحاكمة، ويتنزل جلوسه فيه منزلة التصريح بالإذن، وإذا استأذن في الدخول بعض المسلمين لنوم، أو أكل ينبغي أن لا يأذن له، وإن استأذن لسماع القرآن، أو علم؛ أذن له رجاء أن يسلم، هذا كله إذا لم يكن جنبًا، فإن كان جنبًا فهل يمكن من المكث في المسجد أم يجب منعه؟ فيه وجهان:
أحدهما: يمنع؛ لأن المسلم ممنوع عند الجنابة لحرمة المسجد، فالكافر أولى بأن يمنع.
وأصحهما: أنه لا يمنع: "لأَنَّ الْكُفَّارَ كَانُوا يَدْخُلُونَ مَسْجِدَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- ويُطِيلُونَ الْجُلُوسَ، وَلاَ شَكَّ بِأنَّهُمْ كَانُوا يُجْنِبُونَ" (?)، ويخالف المسلم، فإنه يعتقد حرمة المسجد، فيؤخذ بموجب أعتقاده، والكافر لا يعتقد حرمته، ولا يلتزم تفاصيل التكليف، فجاز أن لا يؤخذ به، وهذا كما أن الكافر لا يحد على شرب الخمر؛ لأنه لا يعتقد تحريمه والمسلم يحد، وأما الكافرة الحائض فتمنع حيث تمنع المسلمة؛ لأن المنع تم لخوف التلويث ولهذا يمنع من به جرح يخاف منه التلويث، وكذا الصبيان والمجانين يمنعون من دخوله (?).