أَحَدُهمَا: أَنَّهُ يجوزُ قَصْدُهم كما يجوز نصبُ المِنْجَنِيقِ على القلْعَةِ وإنْ كان يُصِيبُهم، وأيضاً فلو امتنعنا بما صنعوا -لاتخذوا ذلك ذَرِيعَةً إلى تعطيل الجهاد.

والثَّانِي: المنعُ؛ لأنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن قَتْلِ النساءِ والصِّبْيانِ (?)، ونحن في غِنْيةٍ عنه، والحالُ هذه، وهذا أصحُّ عند القَفَّالِ، وكذلك حكاه الرُّوَيانِيُّ -رحمه الله- ويميلُ إلى ترجيح الأوّل مَائِلُون.

والطَّرِيقُ الثَّانيِ: القطعُ بالجَوازِ، وردّ المنع إلى الكَرَاهَةِ ويُحْكَى هذا عن أَبِي إِسْحَاقَ، وقد تورَّع في حكاية الكراهَةِ عنه، وذكر أن عنده يُسْتحب التوقّي عنه لاَ غَيْرَ، ومِنْ أصحاب هذه الطريقة مَنْ قال في الكراهة قَوْلاَن، ولو تَتَرَّسُوا بِهِمْ وهم في القَلْعَةِ، فمنهم مَنْ قاَل: يَرْمِيهِمْ، والصورةُ هذهِ أُوْلَى بالجواز؛ لِئَلاَّ يتخذ ذلك حِيلَةً وذرِيعة إلى استبقاء القِلاعَ على كثرة غَائِلَتها، وهذا ما أورده في الكتاب، ومنهم مَنْ قال في جواز الرمْيِ إليهم قَوْلاَنِ، وإن عجزنا عن القلعة إِلاَّ به؛ لأنا في غيبة مِنْ أهل القلعة (?).

الثَّانِيَةُ: إذا كان في البَلْدَةِ أَوِ القَلْعَةِ مُسْلِمٌ: من أَسِيرٍ، أو تاجِرٍ، أو مُسْتأمن، أو طائفة مِنْ هؤلاءِ، فهل يجوزُ قصد أهلها بالنَّارِ والمِنْجَنِيقِ وما في معناهما؟ قال قائِلُون: إنْ لم تدعُ إليه ضرورةٌ، فهو مكْرُوهٌ تحرزًا من إهلاكِ المسلم وفي تحريمه قَوْلاَنِ:

أَحَدُهُمَا: يَحْرُمُ؛ لأَنَّهُ قد يُصِيبُ المسلِمَ؛ وزوالُ الدنيا أَهْونُ عند الله مِنْ قَتْلِ مُسْلِمٍ، كما ورد في الخبرِ (?).

وأَظْهرهُمَا: وهو المنصوصُ في "المختَصَرِ" المنعُ؛ لوجهين:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ قد لا يُصِيبُ المسلِمَ؛ وإذا حَرَّمناه أمسك المشركُونَ في كُلِّ قلعةٍ وبلْدَةٍ مُسْلمًا فيتعطل أمرُ الجهاد.

والثَّانِي: وقد نَصَّ الشافِعِيُّ -رضي الله عنه- أن الدارَ دارُ إباحةٍ، فلا يحرمُ القتالُ بكوْنِ المسلم فيها، كما أَنَّ دارَنا لا تحلُّ بكوْنِ المشرِكِ فيها، وإنْ دَعَتْ إليه الضرورةُ بأن كان يُخَافُ ظفرهم على المسلمِينَ لو لم يدفعهُم بذلك الطريقِ، فيجوزُ دَفْعاً عن المسلمين، ونكايةً في المشركين، وحفظُ مَنْ مَعَنَا أوْلَى مِنْ حِفْظِ مَنْ معهم، وأُلْحِقَ بالضرورة ما إذا لم يحصل فتحُ القلعَةِ إِلاَّ بذلك، هذه طريقة.

ومِنْهُمْ مَنْ لم ينظر إلى الضرورة وعَدَمِها.

وقال: إنْ علم أَنَّ ما يَرْمِي به من النَّارِ أو المِنْجَنِيق يَهْلِكُ المسلِمَ لم يجُزْ، وإِنْ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015