ورُوِيَ أَنَّه -صلى الله عليه وسلم- قال لخالدٍ -رضي الله عنه-: "لاَ تَقْتُلْ عَسِيْفاً وَلاَ امْرَأَةً" (?) وأيضاً فَإِنَّهم لا يُقَاتِلُون، فأشبهوا النساءَ والصِّبْيَانَ.
ورُوِيَ أَنَّ أبا بكر -رضي الله عنه- بعث جَيْشاً إلى الشامِ فنهاهم عن قَتْلِ الشُّيوخِ، وأَصْحَاب الصَّوامِعِ (?)، وأَصَحُّ القولَيْن على ما ذكره الشيَخُ أَبُو حَامِدٍ وأَصْحابه، والرُّويَانِي الأول، وفي سِيَاقِ كَلاَمِ الشَّافِعِيَّ -رضي الله عنه- في "المخْتَصَر" ما يَدُلُّ عليه، فإنَّهُ لمَّا أحتج للقول الثاني بقصَّةِ أَبِي بَكْرٍ -رضي الله عنه- قال مُجِيباً عن الاحتجاج: يُشْبِهُ أَنْ يكونَ المقصودُ من النهي أَمْرهُم بالجد في قِتَالِ المقاتِلة لئَلاَّ يشتغِلُوا عن الحرْبِ بالمَقام على الصوامعِ وشبهه، بما رُوِيَ عنه -رضي الله عنه- أَنَّهُ نهاهم عن قَطْعِ الأَشْجَارِ المثْمِرَةِ مع أَنَّهُ حضر رَسُولَ الله -صلى الله عليه وسلم- وأمر بقطْعِ نَخِيل بَنِي النَّضِيرِ (?)، لأنَّ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- كان وَعَدَهُمْ فَتْحَ الشامِ، فأراد أَنْ تَبْقَى منفعتها للمسلمين.
والقَوْلاَنِ فيما إذا لم يكن لهؤلاءِ المذكُورَيْنِ رأي، كما لم يكن منهم قتالٌ، فأَمَّا الشيخُ وغيرُه إذا كان لهم رأْيٌ يَسْتَعِينُ الكفار به في القتال، وكان يُدَبّر لهم أَمْرَ الحرْبِ - فيجوزُ قتلُه، لأَنَّ دُرَيْدَ بْنَ الصمَّةِ قُتِلَ يوم حُنَيْنٍ وقد نَيَّفَ على المِائةِ، وكانوا قد استحضروه لِيُدَبِّرَ لهم، فلم يُنْكِرُ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم (?) -، والذي يَقْتَضِيه ويفهمه كلامُ الأَصْحاب:
أَنَّهُ لا فَرْقَ أَنْ يحضر ذُو الرأْيِ في صَفٌ القِتَالِ، أو لا يحضر في أَنَّهُ يجوز قتلُه، ولا بين أَنْ يقدر على الأَخْرق منهم في صَفِّ القتال، أَوْ يدخُل بعض بلادِهم وهم غَازُون، فنجده هناك في أَنَّ جَوازَ قتْلِه على القَوْلَيْنِ.
وهذا قَرِيبٌ في الشيُوخِ والعُمْيَانِ والزِّمْنَى الذين لا يَتَأَتَّى منهم القتالُ: وفي الرُّهْبَانِ المعرِضِينَ عن التعرُّضِ للناس.
لكن يبعد في الأُجراءِ والمشغولين بالحرف إلاَّ نتعرّضَ لهم إِذَا دخلْنَا بلادَهم! كيف وأكثرُ النَّاسِ أَصْحَابُ حِرَفٍ وصناعات؟ وإذا جاز التعرض لهم، إذا دخلْنَا بلادهم