وكان القتالُ مَمْنُوعًا عنه في ابتداء الإِسلام، بل أُمِرُوا بالصبر على أذى الكفار، والاحْتِمال منهم؛ على ما قال تعالى: {لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ} إلى قوله: {وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} [آل عمران: 186] ولمّا هاجر النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة -وجبتِ الهجرةُ إليَها على مَنْ قَدَرَ؛ قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ} إلى قوله تعالى: {أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا} [النساء: 97] ثم قال تعالى: {إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ} [النساء: 98] فلمَّا فُتِحَتْ مَكَّةُ ارتفعت فرضيةُ الهجرة فيها إلى المدينة.
وعلى ذلك يُحْمَلُ قولُه -صلى الله عليه وسلم-: "لاَ هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ، وَلَكِنْ جِهَادٌ (?) وَنيَّةٌ"، وبَقِيَ وجُوب الهجرة من دار الكُفْر في الجملة على ما سيأتي -إن شاء الله تعالى- من بعد، ثم إِن الله تعالى أَذِنَ في القِتالِ مع مَنْ قَاتَل فقال عزَّ من قائل: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ} [البقرة: 190] ثم أباح ابتداءَ القتالِ، ولكن في غير الأَشْهُرِ الحُرُمِ على ما قال تعالى: {فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} [التوبة:5] ثم أَمَرَ به من غير تَقييدٍ بشرط أو زمان، فقال تعالى: {وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ} [البقرة: 191] وقد ذكروا في خِلاَل هذه المقدمة أن النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- لم يَعْبُدْ صَنَمًا قطٌّ، ورَووْا عنه أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَا كَفَرَ باللهِ نَبِيٌّ قَطٌّ" وفي "البَيَانِ" أنه كان قبل أَنْ يُبْعَثَ كان مُتَمْسِّكاً بدين إبْرَاهِيم -عليه السلام- (?).