أحدهما: أن الحكم على ما ذكرنا لإطلاق الخبر، ولأن العَادَةَ حفظ البَهَائِمِ، وربطها في أماكنها بالليل، فإرسالها تقصير.

وأصحهما: وبه قال صاحب "التلخيص": أنه لا ضَمَانَ على صاحب البهيمة، وإن أفسدت بالليل؛ لأن التَّقْصِيرَ هاهنا من رَبِّ البستان و [صاحب] الزَّرْع حيث ترك الباب مَفْتُوحاً.

والثالثة: إنما يعتاد إِرْسَال المَوَاشي إذا كان هُنَاكَ مَزَارعُ بعيدة من المَزَارع، وحينئذ إن فرض انْتِشَارُها إلى أطراف المزارع لم يعد تقصيراً، فأما إذا كانت المَراعِي مُتَوَسِّطَةً للمزارع، أو كانت البهائم ترعى في حَرِيمِ السَّوَاقِي بين الأقرحة المَزْرُوعَةِ، فلا يعتاد إرسالها، بلا رَقِيب، فإذا أرسلها فهو مُقَصِّرٌ ضامن لما أفسدته وإن كان بالنَّهَارِ هذا هو الظاهر، وبه قال الشَّيْخُ أبو حَامِدٍ والأئمة ومنهم من جَرَى على الخلاف للخبر، ولم يفرق.

والرابعة: صاحب الدَّابَّةِ لو ربطها لَيْلاً، وأغلق البَابَ، واحْتَاطَ على العادة، ففتح الباب لصّ، أو انْهَدَمَ جدار، فخرجت فلا ضَمَانَ عليه؛ لأنه لا تقصير منه.

وإن كان صَاحِبُ الدابة مقصراً، ولكن صاحب الزَّرْعِ حاضر، فإن قدر على تَهْيِيجِهَا وتنفيرها، فليفعل، وإن قدر، فَتَهاوَنَ فهو المقصر المضيع لِزَرْعِهِ، فيسقط الضَّمَانُ عن صاحب الدَّابَةِ. هكذا ذكر الإِمام، وصاحب الكتاب.

ويجيء فيه وجه آخر، كما ذكرنا فيما إذا لم يغلق بَابَ البُسْتَانِ، وأيضًا فإنه لو أَتْلَفَ غيره ماله، وهو ساكت لا يسقط الضَّمَانُ، ولا ينبغي أن يبالغ في التنفير (?)، والإبْعَادِ، بل يقتصر على قدر الحَاجَةِ، فإن زاد فَضَاعَتْ.

قال إبراهيم المروروذي: يلزمه ضَمَانُهَا، وتصير دَاخِلَةً في ضمانه بالتنفير، فوق قدر الحاجة. ولو أَخْرَجَهَا من زَرْعِهِ، وأدخلها في زَرْع غيره، فأَفْسَدَتْهُ، فعليه الضَّمَانُ، وإن كانت مَحْفُوفَةً بمزارع الناس، ولم يمكن إخراجها إلا بِإِدْخَالِهَا مزرعة الغير، فلا يقي مَالَ نفسه بمال غيره، ولكن يصبر، ثم يغرم صاحب الدابة.

والخامسة: إذا أرسل الدَّابَّة في البلد، فأتلفت شَيْئاً -حكى القاضي ابن كج عن أبي الطيب بن سلمة أنه يَضْمَنُ؛ لأن الدَّابة في البلد تراقب، ولا تُرْسَلُ وحدها.

وعن غيره أن الإِرْسالَ في البلد، كالإِرْسَالِ في الصحراء، [والوجه الأول] (?). وجميع ما ذكرنا فيما إذا تَعَلَّقَ إرسال الدابة، وضبطها باختياره فأما إذا انْفَلَتَتْ، لم يضمن ما تُتْلِفُهُ بحال.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015