كذلك قَيَّدَ الشيخ إبراهيم المَرُّوروذِيُّ وغيره، ثم قال الإِمام: الخِلاَفُ في أن الآحَادَ هل لهم شَهْرُ السلاح حِسْبَةً لا يختصُّ بالصِّيَال، بل من أقدم على مُحَرَّمٍ من شرب خمر أو غيره، فهل لآحَادِ الناس مَنْعُهُ بما يجرح، ويأتي على النفس؟ فيه وجهان:
أحدهما: نعم؛ نَهْياً عن المنكر، ومَنْعاً عن المعصية.
والثاني: لا؛ خوفاً من الفِتَنِ، التي تَتَوَلَّدُ منه، ويُنْسَبُ هذا الثاني إلى الأصوليين، والأول للفقهاء، وهو الذي يوجد للأصحاب في كتب المذهب (?)، حتى قال الفَوْرَانِيُّ، وصاحب "التهذيب" والروياني وغيرهم: من علم بِخَمْرٍ في بيت رجل، أو طُنْبُورٍ، وعلم بشربه، أو ضربه، فله أن يهجم على صاحب (?) البيت، ويُرِيقَ الخمر، ويفصل الطّنبور، ويمنع أَهْلَ الدَّارِ من الشرب والضرب، وإن لم ينتهوا، فله أن يقاتلهم، فإن أَتَى القِتَال عليهم، فهو مُثَابٌ على ذلك وفي "تعليقة" إبراهيم المروروذي أن من رآه مُكِبّاً على معصية من زِناً أو شُرْب خمر، أو رآه يَشْدَخُ شاة أو عبداً، فله دفعه فلو أتى (?) الدفع على نفسه، فلا ضَمَانَ.
واعلم أن القول في وُجُوب الدفع عن الغير، لا اخْتِصَاصَ له بهذا الموضع، كما أنه لا اخْتِصَاصَ للقول في وجوبَ الدَّفْعِ عن النفس، ولو أنه ضم أحدهما إلى الآخر، وذكرهما في موضع واحد لكان أَحْسَنَ.
وقوله: "وأما المدفوع عنه، فكل مَعْصُوم من نفس وبضع ومال" لفظ "المال" يجوز إعلامه بالواو، وليس ما ذكره جَامِعاً ضَابِطاً، فإنه لو قصد عُضْواً، أو مَنْفَعَةَ عضو، ولم يقصد النفس، يُدْفَعُ أيضاً، ولو لم يقصد البضع، وقصد أن ينال مما دونه دفع أيضاً وإن أتى الدفع عليه كان مُهْدَراً. صَرَّح به القاضي الروياني وغيره، وقال: لو وجده يَنَالُ من جَارِيَتِهِ ما دون الفَرْجِ، فله دفعه، وإن أتى على نَفْسِهِ.
قال: ويجوز للأجانب أن يدفعوه كذلك حِسْبَةً، ويجوز أن يكون المدفوع عنه ملك المقاصد، فمن رأى إنساناً يُتْلِفُ مال نفسه [مثل أن يحرق كدسه ويغرق متاعه جاز له دفعه] (?) فإن كان حيواناً بأن رآه يَشْدَخُ رأس حِمَارِهِ، ففي وجوب الدفع لحرمة الحيوان وَجْهَان.
المذكور منهما في "التهذيب" أنه يجب وقوله: "وقيل: يحرم" لا يمكن حَمْلُهُ على مُطْلَقِ الدفع، وإنما المراد الدفع قَتْلاً وجُرْحاً.