الاسْتِسْلامِ قَوْلاَن، وَفِي دَفْعِ المَجْنُونِ قَوْلاَنِ مُرَتَّبَانِ وأَوْلَى بِوُجُوبِ الدَّفْعِ.
قَالَ الرَّافِعِيُّ: قد بَانَ في خلال الكَلاَمِ أن دَفْعَ الصَّائِلِ جَائِزٌ، والغَرَضُ الآن القَوْلُ في أنه هل يَجِبُ، أو يجوز الاسْتِسْلاَمُ وترك الدفع؟
واعلم أن هذا المَقْصُودَ لا اخْتِصَاصَ له بطرف المَدْفُوع، بل نِسْبَتُهُ إليه نِسْبَةٌ إلى المدفوع عنه، أو كيفية الدفع. والأَحْسَنُ من جهة الترتيب تَقْدَيمُهُ على جميع الأَطْرَافِ، أو تأخيره عن جميعها. والفِقْهُ أن الصَّائِلَ إن قصد أَخْذَ المَالِ، أو إِتْلاَفَهُ، ولم يكن ذَا رُوحٍ (?) لا يَجِبُ الدفع؛ لأن إِبَاحَةَ المال للغير جَائِزَةٌ، وإن قصد أَهْلَهُ وجب عليه الدَّفْعُ بما أمكنه؛ لأنه لا مَجَالَ للإبَاحَةِ فيه.
وشرط في "التهذيب" للوجوب ألاَّ يخاف على نفسه، وإن قصد الصَّائِلُ نَفْسَهُ نظر إن كان كَافِراً، وجب عليه القِتَالُ والدفع بما أَمْكَنَهُ، أما الحربي والمرتد فلا حُرْمَةَ لهما، وأما الذمي فَبِالصِّيَالِ تبطل حُرْمَتُهُ والاستسلام للكافر ذلٌّ في الدِّينِ.
وقال الروياني في "جمع الجوامع": إذا كان الصَّائل كافراً، فالأولى له أن يقاتل، ويُكْرَه له ترك القتال، والدفع عند الإِمْكَانِ، وهذا يشعر بالتجويز (?)، والمشهور الأول (?)، وإن كان الصِّيَال من بهيمة، فكذلك يجب الدفع؛ لأنها مَذْبُوحَةٌ لاستيفاء المُهْجَةِ، فكيف يؤثرها، ويستسلم لها، وإن كان الصَّائِلُ مسلماً، فقولان، ويقال: وجهان:
أحدهما: أنه يجب الدَّفْعُ لقوله تعالى: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: 195]. ولأن الصَّائِلَ ظالم ساقط الحُرْمَةِ، ومهجة المَصُولِ عليه محترمة، فلا تبذل لمن سقطت حرمته.
وأظهرهما: أنه لا يجب (?)، ويجوز الاستسلام؛ لما روي عن حذيفة -رَضِيَ اللهُ