فله القَطْعُ؛ لزيادة رَجَاءِ السَّلاَمَةِ فيِه. وفيه وجه لأنه استفتاح [أمر] (?) خطر؛ بخلاف التَّرْكِ والإبقاء، وإن تَعَادَلَ الاحتمالان، وتساوى خَطَرُ القَطْعِ والتَّرْكِ، فوجهان.
أحدهما -وبه قال الشيخ أبو مُحَمَّدٍ: أنه لا يجوز القَطْع؛ إذ لا فَائِدَةَ فيه، والاحتمالان مُتَسَاوِيَان.
وأشبههما: الجَوَازُ -لأنه لَيْسَ فيه مَزِيدُ خَوْفٍ وَخَطَرٍ، ولا معنى للمنع مما لا خَطَرَ فيه، ومن عَظُمَتْ عليه الآلاَمُ، ولم يُطِقْهَا، وأراد أن يُرِيحَ (?) نَفْسَهُ بِمُهْلِكٍ مُذَفَّفٍ، لم يَجُزْ له ذلك، لكن لو وقع في نَارٍ، وعلم أنه لا يَنْجُو منها، وأَمْكَنَهُ أن يُلْقِيَ نَفْسَهُ في بَحْرٍ، ورأى ذلك أَهْوَنَ من الصَّبْرِ على لَفَحَاتِ النار، فهل له ذلك؟
حُكِيَ فيه اخْتِلاَفُ رَأْيٍ لأبي يوسف ومحمد، ثم وجهان لأصحابنا:
أحدهما: أنه لا يجوز؛ لأنه افْتِتَاحُ سَبَبٍ مُهْلِكٍ.
وأصحهما على ما ذكر صاحب الكتاب، ويُنْسَبُ إلى الشيخ أبي مُحَمَّدٍ: الجواز؛ لأنه أَهْوَنُ، وتَآكُلُ بعض الأعضاء كالسِّلْعَةِ التي يُخَافُ منها.
ولو قطع السِّلْعَةَ أو اليَدَ المُتَآكَلَةِ من العَاقِلِ المستقل قَاطِعٌ بغير إذنه، فمات فعليه القِصَاصُ، يستوي فيه الإِمَامُ وغيره؛ لأنه مُتَعَدٍّ، والناس في هذه المَصَالِحِ [موكّلون] (?) إلى آرائهم.
الثانية: المولى عليه لِصِغَرٍ، أو جُنُونٍ، يجوز لِوَلِيِّهِ الخَاصِّ، وهو الأب و (?) الجد أن يَقْطَعَ منه السِّلْعَةَ أو اليَدَ المُتَآكِلَةَ، وإن كان فيه خَوْفٌ وَخَطَرٌ، إذا كان الخوف في الترك أَكْثَرَ، وليس للسُّلْطَانِ ذلك؛ لأن القَطْعَ المخطر يحتاج إلى نَظَرٍ دَقِيقٍ، وفَرَاغ تام، وشَفَقَةٍ كَامِلَةٍ، وهذا كما أن الأب والجد لهما اسْتِصْلاَحُ [البِكْرِ الصَّغِيرَةِ] (?) بالتزويج، وليس للسلطان أن يُزَوِّجَهَا.
قال الإِمام: وقد ذكرنا عند اسْتِوَاءِ الطرفين [في الخوف] (?) خِلاَفاً في أن العَاقِلَ هل له أن يَقْطَعَ من نَفْسِهِ، والأظهر -والحالة هذه- أنه لا يقطع من طفله والعلم عند الله. وعلى هذا فقوله: "وللأب أن يَقْطَعَ من الصغير ما للعاقل أن يفعل بنفسه" غير مُجْرَى على إِطْلاَقِهِ. وما لا خَطَرَ فيه، ولا خَوْفَ غالباً كالفَصْدِ والحِجَامَةِ، وقَطْعِ السِّلْعَةِ، إذا لم يكن فيه خَطَرٌ، فيجوز الإِتْيَانُ به للولي الخاص والسلطان جميعاً؛ لأنهما