إلَى أن يفيئوا إلى أمر الله تعالى أَوْلَي، ثم استفاد الأئمةُ بعْد وجوب قتال أهْل البغْيِ، أنه لا يكْفُر (?) الباغي بالبَغْي، وأنه إذا رجَع إلى الطاعة، تُقْبَل توبته، ويُتْرَك قتاله (?)، قالوا: وفي الأمر بالإصْلاح أولاً وآخراً إشعارٌ بأنه لا يغرَّمُ، ولا ضَمَانَ فيما يتلقون على ما سيأتِي، وأجمعتِ الصحابةُ -رَضِيَ الله عَنْهُمْ- على قتال البُغَاة، فقاتل أبو بكر -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أولاً مانِعِي الزكاة، وقاتل عليّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- آخراً أصحابَ الجَمَلِ، وأهْلَ الشامِ وأهْلَ النَّهْرَوَان، ثم أطلق الأصحابُ القول: بأن البغْيَ ليس باسْمِ ذمٍّ، وبأن الباغين ليْسوا بفَسَقَةٍ، كما أنهم ليسوا بكَفَرة، ولكنهم مخطِئُون فيما يفْعَلُون ويَذْهَبُون إليه من التأويل، ومنهم من يسميهم عصاةٌ، ولا يسميهم فسقةً، ويقول: ما كلُّ معصية توجِب الفسْقِ، وعلى هذا، فالتشديدات الواردةُ في الخروج عن طاعة الإِمام ومخالفته، كما رُوِيَ (?) عن عبادة بن الصاحِب -رَضِىَ اللهُ عَنْهُ- قال: بَايَعْنَا رَسُولَ الله -صلى الله عليه وسلم-: "عَلَى السَّمْعِ، وَالطَّاعَةِ، في المَنْشَطِ، وَالْمَكْرَهِ وَأَلَّا نُنَازعَ الأَمْرَ أَهْلَهُ" وما روي أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَنْ فَارَقَ الجَمَاعَةَ قِيدَ شبرٍ، فَقَدْ خَلَعَ رِبْقَةَ الإِسْلاَمِ مِنْ عُنُقِهِ" (?) وأنه قال: "مَنْ حَمَلَ عَلَيْنَا السِّلاَحَ، فَلَيْسَ منَّا" (?) وأنه قال: "مَنْ خَرَجَ مِنَ الطَّاعَةِ، وَفَارَقَ الجَمَاعَةَ، فَمَيتَتُهُ جَاهِلِيَّةٌ" (?) محمولةٌ على مَنْ يخْرُج عن الطاعة، ويخالِفُ الإمام بلا عُذر ولا تأويل، وعلى هذا فتسمية البغْيِ جناية، حيث قال في الكتاب "الجنايةُ الأولَى: البغْيُ" كتسمية القتل الخطَأِ جنايةً.
المقدِّمة الثانيةُ: لمَّا كانَ البغْيُ عبارةً عن الخروج على الإِمام بشُرُوط مخصوصةٍ، فيحتاج في معرفة الباغي إلى معْرفة الإِمام، فاستحسن جماعةٌ من الأصحاب أن يتكلَّموا في الإمامة ههنا، ورأَيْنَا أن نتأَسَّى (?) بهم، ونورد المقْصُود على الاختصار في فُصْول: