قَالَ الرَّافِعِيُّ: في الفصْلِ مسألتان:
إحْدَاها: إذا أقْسَمَ المُدَّعِي في مَحَلِّ اللوْثِ نُظِرَ؛ إن ادَّعَى قتْل خطأ أو شبه عمْدِ، وجبَتِ الديةُ على عاقلةِ المُقْسَم عليه مخففَّةً في الخَطأ ومغلَّظة في شِبْه (?) العمد، ولو كان [المدَّعِي] (?) قَتْلاً عمدًا والمدَّعَى عليه ممن يَقْتُل بذلك القَتِيلِ، فهل يُنَاطُ بالقسامة القصاصُ؟ فيه قولان: رواية أبي ثوْرٍ عن القديم، [نعم] (?) وبه قال مالك وأحمد، لما رُوِيَ أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "تَحْلِفُونَ وَتَسْتَحِقُّونَ دَمَ قَاتِلِكُمْ"
ويُرْوَى: "يُحْلِف خَمُسونَ مِنْكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ، فَيُدْفَعُ إِلَيْكُمْ بِرُمَّتِهِ".
وأيضًا، فإنها يمين مشروعةٌ في جنبة المدَّعي، فيتعلق بها القصاصُ كاليمين المردُودة. وأيضًا، فإنها تثبت العمد المحْض، فثبّت القصاصَ كالبينة.
وأيضًا، فإنا نرجم المرأة بلِعانِ الزَّوْج، فلا يبعد أن نقتصَّ بقسامة المدَّعي.
والجديد الصحيح (?): المنع؛ لما رَوِي أنَّه -صلى الله عليه وسلم- قال: "إِمَّا أنْ تَدُوا صَاحِبَكُمْ، وَإِمَّا أَنْ تَأْذَنُوا بِحَرْبٍ [مِنَ اللهِ وَرَسُولِه] " (?) ولم يتعرَّض للقصاص.
وأيضًا، فإن القَسَامة حجَّةٌ ضعيفةٌ، لا يثبت بها النكاحُ، فلا يثبت القصاص، كالشاهد واليمين، وليستِ القسامةُ كاليمين المردودَةِ، ولا كلعانِ الزَّوْج.
أما اليمينُ المردُودةُ، فَلأَنَّ نكولَ المدعَى عليه يقوِّي شأنها، ولهذا جُعِلَتْ كالبينة أو كالإقرار وأما اللعان، فلأَنَّ المرأة متمكنة من الدَّفْع بلعانها، ولو أَنَطْنَا القِصاصَ بالقَسامة، لم يتمكَّن المدعَى عليه من الدفع بيمينه، فإن قلْنا بالجديد، فيجب بها الدية حالَّةً في مال القاتل، وإن ادَّعَى قتلاً خطأً أو شبْهَ عَمْدٍ، وأقْسَمَ، وجبت الدية مخفَّفة في الخطأ، ومغلَّظة في شبْه العَمْد. وإن قلْنا بالقديم، فلا فرق بين أن تكون الدعوَى على واحدٍ أو على جماعة، كالبينة.
وعن مالك -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أن الوليَّ يختار واحدًا منْهم فيقتله قصاصاً, ولا يُقْتَل الجميع. وفي "الشامل": أن ابن سُرَيْج خرَّج على القديم قولاً مثله. وزاد "صاحب البيان" في حكاية هذا التخْريج أنه يأخُذ من الباقين حصَّتهم من الدية.