إلا في دعوى محَرَّرَةٍ، وإنما ذَكَرَ الشَّافعي -رَضِىَ اللهُ عَنْهُ- هذا إذا أَرادَ أن يَسْتَثْبِتَهُ احْتِيَاطًا، فأشعر هذا السِّيَاقُ بأن غيره يقول بوجوب الاسْتِفْصالِ المُصَحِّحِ للدعوى.
والأوجه ما نَسَبَهُ إلى المَاسَرْجِسِيُّ ثم إذا قال: إنه قتله مُنْفَرِدًا عَمْدًا، ووصف العَمْدِيَّةَ، أو خَطَأً طالب المُدَّعَى عليه بالجواب.
فإن قال: قتله بِشَرِكَةٍ، سئل عمن شَارَكَهُ، فإن ذَكَرَ جَمَاعَةً لا يُتَصَوَّرُ اجتماعهم على القتل، لُغِيَ قوله ودَعْوَاهُ. وإن ذكر جَمَاعَةً يُتَصَوَّرُ اجتماعهم، ولم يحضرهم، أو قال: لا أعرف عَدَدَهُمْ، فإن ادَّعَى قَتْلًا يوجب الدِّيَةَ لم تُسْمَعْ دعواه؛ لأن حِصَّة المُدَّعَى عليه من الدِّيَةِ لا تَتَبَيَّنُ إلا بِحَصْرِ الشركاء، وذلك مثل أن يَدَّعِيَ الخَطَأَ أو شِبْهَ العَمْدِ، أو يقول: إنه تَعَمَّدَ، وفي شركائه مُخْطِئٌ.
نعم، لو قال: لا أعْرِفُ عَدَدَهُمْ على التحقيق، ولكن أعلم أنهم لا يزيدون على عشرة، فَتُسْمَعُ الدَّعْوَى، وَيتَرَتَّبُ على تحقيقها المُطَالَبَةُ بعُشْرِ الدية، فإن ادعى ما يوجب القَوَدَ بأن قال: قَتَلَ عَمْدًا مع شركاء مُتَعَمِّدِينَ، ففيه وجهان:
أصحهما: أنه يسمع دَعْوَاهُ؛ لأنه إذا حَقَّقَهَا، تمكَّنَ من مُطالَبَتِهِ بالقِصَاصِ، ولا يختلف ذلك بِعَدَدِ الشركاء.
والثاني: المنع، ويحكى عن أبي إِسْحَاقَ؛ لأنه قد يختار الدِّيَةَ، فلا يدري حَقَّهُ منها، ومنهم من قال: إن قلنا: إن مُوجِبَ العَمْدِ القَوَدُ، فالمصير إلى سَمَاعِ الدعوى أَظْهَرُ، وربما أُشِيرَ إلى القَطْعِ [به] (?). وإن قلنا: مُوجِبُ العَمْدِ أَحَدُهُما اتَّجَهَ الوجهان؛ لأن أَحَدَ الموجبين غير معلومَ، وهذا ما أَوْرَدَهُ في الكتاب.
قال الغَزَالِيُّ: الثَّالِثُ أَنْ يَكُونَ المُدَّعِي مُكَلَّفًا مُلْتَزِمًا، وَلا يَضُرُّهُ كَوْنُهُ جَنِينًا حالَةَ القَتْلِ إِذْ يُعرَفُ ذَلِكَ بِالتَّسَامُعِ.
قَالَ الرَّافِعِيُّ: إنما تُسْمَعُ الدَّعْوَى من المُكَلَّفِ دون الصَّبِيِّ والمَجْنُونِ، ومن المُلْتَزِمِ، وهو المسلم، والذِّمِّيُّ (?).
فأما الحَرْبِيُّ فلا يستحق قِصَاصًا، ولا دِيَةً، فليس له دَعْوَى الدَّمِ، ولا يَقْدَحُ كَوْنُ