ولا نفذت وصاياه وأجيبَ بأن الورثَةَ ملَكُوا الدية من جهته وبدلاً عن نفْسِه، فقُدِّم حقُّه على حقُوقهم، ونظم الكتاب يقتضي ترجيح القولِ الذاهِب إلى نفْي الدية (?)، وتلقِّي الورثة من القتيل، وقد سبق أن صاحب "التهذيب" وغيره رجَّحوه، والقاضي الرويانيُّ رجَّح القول المقابلَ له وأشار ابن الصبَّاغ إلى القطْع بنفي الدية، فيمكن أن يُعْلَم لذلك قوله: "وفيه قول" بالواو، وإذا قلنا بوجوب الدية، [فتجب الكفَّارة لا محالة، وإن قلنا: لا تجب الدية،] (?) ففي الكفَّارة وجهان:
وأصحُّهما: الوجوب؛ لأنها تجب بالجنايةِ عَلَى حقِّ الله تعالى، والإباحةُ لا تؤثِّر.
والثاني: ويُحْكَى عن تخريج ابن سُرَيْج: أنَّه لا تجب، وحقُّ الله تعالى يتبَعُ في الوجوب والسقوط حقَّ الآدميِّ [فإذا] صار الشخْصُ مُهدَراً فلا كفارة بقَتْله.
قَالَ الْغَزَالِيُّ: الثَّانِيَةُ: العَفْوُ بَعْدَ القَطْعِ وَقَبْلَ السِّرَايَةِ صَحِيحٌ عَمَّا مَضَى، وَيَسْقُطُ القِصَاصُ عَنْ السِّرَايَةَ فِي المُسْتَقْبَل عَلَى الصَّحِيحِ لأَنَّهُ تَوَلَّدَ عَنْ مَعْفُوٍّ عَنْهُ، وَلاَ يَسْقُطُ الدِّيَةُ عَنِ السِّرَايَةِ لأنَّهُ تَوَلَّدَ عَنْ مَضمُونٍ وَلَمْ يَعْفُ عَنِ المُسْتَقْبَلِ، وَفِيهِ وَجهٌ أنَّهُ تَسْقُطُ كَالإذْنِ المُقَارِنِ، وَلَوْ قَالَ: عَفَوْتُ عَمَّا سَيَجِبُ فَهُوَ عَفْوٌ قَبْلَ الوُجُوبِ وَبَعْدَ سَبَبِهِ فَفِيهِ قَوْلاَنِ، فَإِنْ سَرَى إِلَى النَّفْسِ فَعَفْوُهُ وَصِيَّةٌ لِلْقَاتِلِ فَلاَ يَصِحُّ إنْ لَمْ يُصَحِّحِ الوَصِيَّةَ لِلقَاتِلِ، فَإِنْ كَانَ الجَانِي عَبْداً صَحَّ العَفْوُ لأَنَّ فَائِدَتَهُ لِلسَّيِّدِ لاَ لِلقَاتِلِ، وَإِنْ كَانَ مُخْطِئاً صَحَّ لأَنَّهُ لِلعَاقِلَةِ، وإن كَانَتِ العَاقِلَةُ مُنْكَراً أَوْ مُخَالِفاً فِي الدِّينِ فَلاَ لأَنَّهُ عَفوٌ عَنِ القَاتِلِ، وَلَو عَفَا عَنِ الطَّرَفِ عَلَى مَالٍ ثُمَّ حَزَّ رَقَبَتَهُ لَمْ يَجِبِ القَصاصُ عَلَى أَضْعَفِ الوَجْهَيْنِ لأَنَّ الحَزَّ لَهُ حُكْمُ السِّرَايَةِ في اتِّحَادِ الدِّيَةِ وَلَوْ سَرَى القَطْعُ لَمَا وَجَبَ.
قَالَ الرَّافِعِيُّ: إذا قطع عضواً من غيره كيد وأصبع، فعفا المجنيُّ عليه عن موجِب الجناية عليه قَوَداً أو أرْشاً، فللجناية أحوال.
أحدها: أن تقف ولا يتعدَّى محلَّها، وتندمل، فلا قصاص ولا أرْشَ؛ لأن المستحِقَّ أسقطَ الحقَّ بعْد ثبوته؛ فيسقط، وبه قال أبو حنيفة.