لمدَّة الاندمال ضبْطٌ، وقد تبقى الجراحةُ سنين كثيرة، والشخصُ ضمن بسَبَبِهَا إلى أن يَمُوت منْها، فينبغي إلاَّ يكُون التصديقُ عند إمكان الاندمال، إلا باليمين، وهكذا ذكره صاحب "التهذيب" وغيره.
والثاني: قال الإِمام: إن أمكن الاندمالُ، لكنه كان بعيداً، وكان الظاهر خلافَه، فالقولُ قول الجانِي؛ بناءً على ظاهِرِ الحالِ، وادعَى وفَاقَ الأصحاب فيه، والذي يوجَدُ للأكثرين أن المصدَّق الوليُّ، وربَّما قطَعُوا به وعن أبي الطيِّب بن سلمة تخريجُ قولٍ من "مسألة الملفوف" أو من الصورة المذكورة مِنْ بَعْدُ: أنه يصدَّق الجانِي؛ لأن ما يقوله محتَمَلٌ، والأصل براءة الذمة، وعلى هذا ينطبقُ قوله في الكتاب، فهو خارج على تَقَابُل الأصلَيْن إلى آخره، ويجوز إعلامه بالواو؛ لقَطْع مَنْ قطع بتصديق الوليِّ.
ولو اختلفا في مضيِّ زمان الاندمال، فالمصدَّق الجاني؛ لأن الأصْل أنه لم يمْض، ولو قال الجانِي ماتَ بالسراية، أو قتلتُه قبل الاندمال، وادعَى الوليُّ أنه مات بسببٍ آخَر؛ بأن قال: قتل نفسه أو قتله آخر أو شرب سُمّاً مُوحِياً، فوجهان:
أحدهما: أن المصدَّق الجاني؛ لأن ما يقوله محتملٌ والأصل براءة الذمة، ويُحْكَى هذا عن أبي إسحاق.
وأظهرهما: وبه قال أبو عليٍّ الطبريُّ، أنه يصدَّق الوليُّ؛ لأن الأصل بقاء الديتين الواجبتين بالجنايتين، والأصل عدَمُ السبب الآخر، ولو اقتصر الوليُّ على أنه ماتَ بسببٍ آخَر، ولم يعينه، فعن الصيدلانيِّ: أنه لا يلتفت إلى قوله إن قَصُر الزمان، ولم يمكن فيه الاندمال؛ لأن تَرْك التعين يُشْعِر بأنه لا سَبَبَ، وأن مراده دعوى الاندمال، وإن أمكن الاندمال، فإن صدَّقناه بيمينه، ولم نُحْوِجه إلى البينة قبل قوله، وحلَف على أنه ماتَ بسبَبٍ غير الجناية، وإن لم نُصدِّقْه وأحوجناه إلى البينة، فلا بد من التعيين؛ لتصوُّر إقامة البينة، قال الإِمام: ولاَ يَبْعُد التخريج على الوجهَيْن، وإن لم يُمْكن الاندمالُ، فلو اتفقا على أن الجانِيَ قتله، ولكن قال: قتلته قبل الاندمال، فعَلَيَّ ديةٌ وقال الوليُّ: بل بعده، فعليكَ ثلاثُ دياتٍ، والزمان يحتمل الاندمال، فيصدَّق الوليُّ في بقاء الديتين، والجاني في نفي الثالثة، ويجيء وجهٌ أنه يصدَّق الجاني على الإطلاق.
ولو قطَع إحْدَى يديه ومات، فقال الجاني: مات بسبب آخَرِ مِنْ قَتْلِ أو شُرْبِ موح، وليس عليَّ إلا نصْفُ دية.
وقال الوليُّ: مات بالسراية، وعليكَ ديةٌ تامةٌ، فوجهان قال في "التهذيب": أصحهما: أن القول قولُ الوليِّ؛ لأن الأصل أنَّه لم يوجَدْ سببٌ آخر.
والثاني: يصدَّق الجاني؛ لأن الأصْل براءة ذمته، ولو قال الجانِي: مات بعْدَ