والثاني: طرْدُ القولَيْن في الأعضاء الظاهرة والباطنة، ويُحْكَى هذا عن ابن الوكيل، وطَرَدَهما في إنكار أصل السلامة، وفي تسليمه ودعْوَى الزوال، ووَجْهُ تصديقِ المجنيِّ عليه مع إنكار الجانِي أصْلَ السلامة، بأن الغالب السلامة؛ ولذلك [أثبتنا] الرد بالعيب في البيع.

والثالث: القطع في الأعضاء الظاهرة بتصديق الجاني، وفي الباطنة بتصديق المجنيِّ عليه، والفَرْقُ أن الظاهر يُطَّلَع عليه وتعرف سلامته، فيمكن إقامة البينة عليها، بخلاف الباطن؛ ولذلك قلْنا: إنه لو علَّق طلاق امرأته على الدُّخُول وسائر الأفعال الظاهرة وادعَتْ حصولها لا تصدق فيه، ولو علَّق على الحيض، فادعته صُدِّقَتْ.

والرابع: عن أبي الطيب بن سلمة: أنه إن أنكر الجانِي أصلَ السلامة، فهو المصدَّق بلا خلاف، وإن سلَّم السلامة وادَّعَى حدوث النقصان، فالمصدَّق المجنيُّ عليه بلا خلاف، ويُخرَّج من الطرق عند الاختصَار أقوالٌ، كما في الكتاب جمعها صاحب "التهذيب".

أحدُها: تصديقُ الجانِي على الإطلاق وبه قال أبو حنيفة.

والثاني: تصديق المجنيِّ عليه على الإطلاق، وبه قال أحمد.

والثالث: الفرْق بين العضو الباطِنِ والظاهر.

والرابع: الفرْق بين أن يُنْكر السلامة أصلاً، وبيْن أن يعترف بها، ويدعي زوالها، فإن اقتصرت على الجوابِ الظاهِرِ، ولم تتعرض للخلافِ، قلْت: المصدَّق المجنيُّ عليه، إلا في العضْوِ الظاهر عند إنكار أصل السلامة.

وليعرف بعد هذا أمور:

أحدهما: ما المعْنِيُّ بالظاهر والباطن اللَّذَيْنِ أطلقناهما؟ قال الإِمام: تلقيت من كلام الأصحاب فيه وجهَيْن:

أحدهما: أن الباطِنَ ما يجب ستْرُه عنِ الأعْيُن، وهو العورة والظاهر ما عدا ذلك، وأَلْيَقُهما وبفقه الفصْل: أن الباطن ما يُعْتاد ستْرهُ إقامةً للمروءة، والظاهر ما لا يُسْتَر غَالباً؛ وذلك لأن الفَرْقَ بيْن النوعيْن مبنيٌّ على عُسْر إقامة الشهادة وسهولتها، وما يستر غالباً لا يُطَّلَع على حاله، فيعسر إقامة الشهادة فيه، وعن بعض التعاليق أن الوجهَيْن متولدان من لفْظ الشَّافعيِّ -رضي الله عنه- حيث قال فيما إذا اختلفا في سلامة الأنثيين: إن القول قول المجنيِّ عليه؛ لأن هذا مغيَّبٌ عن أنظار الناس، ولا يجوز كشْفُه لهم، فاعتبر بعضهم المعنَى الأول، وآخرون الثانِيَ.

والثاني: إذا صدَّقنا الجانِيَ، فيحتاج المجنيُّ عليه إلى إقامة البينة على السلامة،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015