طبْعِها النفار، واستثنى من صورة السبع ما إذا كان ضارياً، والهَرَبُ غَيرَ مُمْكِنٍ، وقد وُجِّه ذلك بأن عَقْر السبع المُغْرَى يضاف إلى فعل المُغْرِي، وإن كان في الصحراء، ولذلك يحل به الصيد، وأجيب عنه: بأن الحيوان عُلِّمَ الاصطياد، والحاجة إلى الصيد حملَتْ على الإضافة إلى المُغْرِي، وهذا بخلافه، وحيث قلنا: بوجوب القصاص في الحية والسبع، فذاك، إذا قتل في الحال أو جرح جراحة تقتل في الغالب، أما إذا جرحه جراحة لا يقتل مثلها غالباً، فالحاصل شبْهُ عمْدٍ، فكأنه صدَرَت تلك الجراحة من المُغْرَى، وإذا تمكَّن المُغْرَى عليه من الفرار، فلم يفعل؟
قال الإِمام: هو كترك السباحة، والمجنون الضاري في ذلك كالسبع (?)، هكذا أطْلَقَ، ومقتضاه الفرق بين أنَّ يُغْرَى وُيبْعَث في المضيق أو الصحراء، لكن إن أمكن أنَّ يقال: إن طبع السبع أن ينفر من الآدميِّ في الصحراء، ولا يقصده، فلا يتضح أنَّ يُدَّعَى مثله في المجنون؛ فالجنون فنون، ولو رَبَطَ في دِهْلِيز داره كلباً عقوراً، ودعا إليه غيره، فافترسه الكلب، فلا قصاص ولا ضمان، ولم يُجْعَل على الخلاف الذي سبق في حفر البئر في الدهليز وتغطية رأْسِها؛ لأن الكلْب يفترس باختياره، ولأنه ظاهرٌ يمكن دفْعه بالعَصَا (?) والسلاح.
ويجوز أن يُعْلَم قوله في الكتاب: "وكذا لو جمع بينهما في بيت" واحد بالواو؛ لأن القاضي ابن كج حكَى قولان: الجمع بينه وبين الحية في البَيْت، كالجمع بينه وبين السَّبُع، وكذا قوله: "فافترسه وجب القصاص" لأنه حكى قولاً: أنه لا يجب، وبحال الهلال على اختيار الحيوان، وأشار فيهما إلى النقل والتخريج، وإذا جعل ما ذكره القاضي وجهاً وأثبت الخلاف، فلا بأس لو أعلم قوله: "إلا إذا كان السبع ضارياً" بالواو أيضاً.
قَالَ الْغَزَالِيُّ: الطَّرَفُ الرَّابِعُ فِي طَرَيَانِ المُبَاشَرَةِ عَلَى المُبَاشَرَةِ وَحُكْمُهُ تَقْدِيمُ الأَقْوَى فَلَوْ جَرَحَ الأَوَّلُ وَحَزَّ الثَّاني فَالقَوَدُ عَلَى الثَّانِي، وَلَوْ أَنْهَى الأوَّل إلَى حَرَكَةِ المَذْبُوحِ وَقَدَّ الثَّانِي بِنِصْفَيْنِ فَالقَوَدُ عَلَى الأوَّلِ، وَلَو قَطَعَ أَحَدُهُمَا مِنَ الكُوعِ وَالثَّانِي مِنَ المِرْفَقِ فَمَاتَ بِالسِّرَايَةِ فَالقَوَدُ (ح) عَلَيْهِمَا، وَلَو قَتَل مَرِيضاً مُشْرِفَاً وَجَبَ القَوَدُ، وَلَوْ قَتَلَ