قَالَ الرَّافِعِيُّ: إذا شهدوا على إنسانٍ بما يُوجِب القتْل إما قصاصاً أو بالرِّدَّة أو بالزِّنَا، وهو مُحْصَن، فحَكَمَ القاضي بشهادتهم، وقتل بموجبها، ثم رَجَعُوا، وقالوا: تعمَّدنا، وعلِمنا أنه يُقْتَل بشهادَتِنا، لَزِمَهم القصاص (?) خلافاً لأبي حنيفة.
لنا: أنهم تَسبَّبُوا إلى قتله بما يفضى إليه غالباً، فيلزمهم القصاص كالمُكْرِهِ؛ وهذا لأنَّ الشهادة تُولِّد في القاضي داعيةَ القتْل شرعاً كما أن الإكراه تُولِّدُ الداعية حِسّاً.
قال الإِمام: بل الشهادة أبْلَغُ من الإكراه؛ لأن المُكْرَه قد يتحرَّز وُيؤْثِر هلاك نفْسِهِ على سَفْك دَمٍ مُحَرَّم، والقاضي لا محيص له عن الحُكْم بشهادة العُدُول، ولو شهدوا بما يوجِبُ القطْع قصاصاً أو سرقة، فقَطَعَ، ثم رجَعْوا، فعليهم القَطْع، فإن سرى، فعليهم القِصَاصُ في النفس.
وقد رُوِيَ أن رجلَيْن شهدَا عنْد عليٍّ -كرم الله وجهه- على رَجُل بسرقةٍ، فقطعه ثم رَجَعَا عن شهادَتِهما، فقال: لو أعلم أنكما تعمَّدتما، لقَطَعْت أيديكما (?).
وإنْ رَجَع الشهود، وقالوا: لم نعلم أنه يُقْتل بقولنا، أو رجع المزكي أو رجع القاضي، إما مع الشهود أو دونهم أو رجع الوَلِيُّ إما وحده أو معهم، فكُلُّ ذلك سيأتِي في "كتاب الشهادات" إن شاء الله تعالى.
وإنما يجب القصاص على الشهود، إذا أخرجت شهادتهم مباشرة [الولي] القتل عن أن يكون عدواناً، أما إذا اعترف الوليُّ بكونه عالماً بكذبهم، فلا قصاص (?) عليهم.