هَذَا قَدْ نفعني، وسقاني من بئر أبي عنبة وإِن أباه يُرِيدُ أن يأخُذَه منِّي، فقال الأب: أأحد يُحَاقُّني في ابني؟ فقال رَسُولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: يَا غُلاَمُ، هَذِهِ أُمُّكَ، وَهَذَا أَبُوكَ، فَاتَّبعْ أيُّهُمَا شِئْتَ، فَاتَّبَعَ أُمَّهُ (?).
وقولها: "نفعني وسقاني" أي بلغ حداً أنتفع به؛ بحَمْل ماءٍ أو متاعٍ، ورُوِيَ أنَّ رَجُلاً وامراةً أَتَيَا أبا هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- يختصمان في ابْنٍ لهما فقال أبو هريرة: لَأَقْضِيَنَّ بَيْنَكُمَا بِمَا شَهِدتُّ رَسُولَ الله -صلى الله عليه وسلم- يَقْضِي بِهِ؛ يَا غُلاَمُ، هَذَا أبوك وَهَذِهِ أُمُّكَ، فَاخْتَرْ أَيُّهُمَا شِئْتَ (?).
وعن عمرو -رضي الله عنه- أنه خيَّر غلاماً بيْن أبوَيْهِ (?)، ويستوي في التخيير الغلامُ والجاريةُ، كما يستويان في الانتساب، وقال أبو حنيفة ومالكٌ -رضي الله عنهما-: لا يُخيَّر، ثم عند أبي حنيفة: يكون الغلام مع الأمِّ حتى يستقلَّ؛ بأن يأكل ويلبس ويستنجي بنفسه، ثم يُسَلَّم إلى الأب، والجارية تَكُونُ مَعَها حتَّى تُزوَّج، أو تحيض، وعند مالكٍ -رحمه الله-: يكون الغلامُ مع الأم حتَّى يثغر ويُرْوَى حَتَّى يَبْلُغَ، وتكون الجارية مَعَهَا حتى تزوج، ويَدْخُلَ بها الزَّوْجُ.
وقال أحمد: يُخَيَّر الغلام، ولا تُخَيَّر الجارية، بل الأم أحقُّ بها.
وسِنُّ التمييز في الغالب سَبْعٌ أو ثمانٍ على التقريب، قال الأصحاب -رحمهم الله-: وقد يَتقدَّم التمييزُ على سَبْعٍ، وقد يتأخر عن ثمان، والحُكْمُ يُدَار على نَفْس التمييز، لا على سِنِّهِ، وإنَّما يُخيَّر بين الأبوَيْنِ، إذا اجتمع فيهما شرائطُ الحضانة؛ بأن يكونا مسلمَيْنِ حُرَّيْنِ عاقِلَيْنِ عَدْلَيْنِ مقيمَيْنِ في وطَنٍ واحدٍ، على ما سيأتي الكلامُ [فيه] في هذا الشرط -إن شاء الله- وأن تكون الأمُّ خليَّةً عن النِّكَاح، فإن اخْتَلَّ في أحدِهِما بعْضُ الشروط، فلا تخيير، والحضانة للآخر، فإن زال الخَلَل أنشئ التخيير، ولو وجدت الشرائط فيهما، واختصَّ أحدهما بزيادهّ في الدِّينِ أو المالِ أو محبة الوَلَدِ، ففيه وجهان عن "الحاوي":