السَّبَبُ الثَّانِي لِلنَّفَقَةِ القَرَابَةُ، وَفِيهِ ثَلاَثةُ أَبْوَابٍ
وَتَجِبُ بِقَرَابَةِ البَعْضِيَّةِ دُونَ المَحْرَمِيَّةِ، وَإِنَّمَا تَجِبُ عَلَى المُوسِرِ، وَهُوَ الَّذِي فَضُلَ مِنْ قُوتِ يَوْمِهِ شَيْءٌ، وَيُبَاعُ عَبْدُهُ وَعَقَارُهُ (ح) فِيهِ، وَهَلْ يَلْزَمُهُ الكَسْبُ لِأَجْلِ نَفَقَةِ القَرِيبِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ، وَإِنَّمَا تَجِبُ لِلَّذِي لاَ شَيْءَ لَهُ، وَإِنْ كَانَ قَادِراً عَلَى الكَسْبِ اسْتَحَقَّ عَلَى قَوْلٍ، وَلَمْ يَسْتَحِقَّ عَلَى قَوْلٍ، وَيسْتَحِقُّ الأَبُ وَالأُصُولُ دُونَ الفُرُوعِ عَلَى قَوْلٍ، أمَّا الطِّفْلُ الكَسُوبُ فَيَسْتَحِقُّ لاَ مَحَالَةَ إِذَا لَمْ يَكْتَسِبْ، فَإِنْ شَرَطَ العَجْزَ عَنِ الكَسْبِ فَهَلْ تُشْتَرَطُ الزَّمَانَةُ حَتَّى لاَ يَقْدِرَ عَلَى كَسْبٍ لاَ يَلِيقُ بِهِ أَيْضاً؟ فِيهِ خِلاَفٌ.
قَالَ الرَّافِعِيُّ: قد سَبَقَ أنَّ أحد أَسْبَابِ وجوب النفقةِ والقِيَام بالمُؤنِ القرابةُ، واحتج له بقوله تعالى: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [الطلاق: 6] أوجب أجرة إرْضَاعِ الولد كغاية لمؤنته، ولقصَّة هنْد، حيث قال: " [خذي ما يكفيك] وولدك بالمعروف" (?) والكلام فيه بوبه صاحب الكتاب على ثلاثة أبواب:
أحدها: في مناط هذه النفقة، وشرائط وجوبها وكيفيَّتها.
والثاني: في ترتيب الأَقَارب المُنْفِقِينَ وَالمُنْفَقِ عليهم.
والثالث: في حَضَانَةِ الصَّغِيرِ.
أما الأول: ففي الفصل مسائل:
إحداها: أنَّها تجب بقرابة البعضية فتجب للولد على الوالد وبالعكس، أما للولد على الوالد فلقصَّة هنْد، وأما بالعكس، فبالقياس عليه يجامع البعضية وبل أَوْلى لأن حرمة الوالد أعْظَم، والولد بالتعهُّد والخدمة أحق وأليق، ويروى أن النَّبيَّ -صلى الله عليه وسلم-، قال: "إنَّ أَطْيَبَ مَا أَكَلَ الرَّجُلُ من كَسْبِهِ وَوَلَدُهُ مِنْ كَسْبِهِ فَكُلُوا من أَمْوَالِهِمْ" (?)، وكما تجب نفقة