الصلاة، وركعاتها، لا يراد فيها الدعاء بنزول النوازل، وهذه الطريقة الثانية هي التي أوردها في الكتاب، فإنه خص القولين بما إذا نزلت نازلة إشعاراً بأنها إذا لم تنزل فلا قنوت في غير الصبح بحال. وينبغي أن يعلم قوله: (فقولان) بالواو؛ لأن أصحاب الطريقة الأولى قالوا: يقنت عند نزول النازلة، ونفوا الخلاف فيه.

وأما قوله: "ورأى الإمام القنوت في سائر الصلوات" فليس على معنى إن جواز القنوت فيها للناس موقوف على رأي الإمام وإذنه، بل من أراد القنوت جاز له ذلك، وكأنه أراد إمام القوم إذا صَلُّوا جماعة، فقال: إن رأى قنت: والقوم يتبعونه كما في الصبح، وإن أراد ترك، ولا بد للمقتدين من الترك أيضاً. وفيه إشارة إلى أنه لا يستحب القنوت في غير الصبح بحال، وإنما الكلام في الجواز، فحيث يجوز فالأمر فيه إلى اختيار المصلي، وهذا قضية كلام أكثر الأئمة، ومنهم من يشعر إيراده بالاستحباب، -والله أعلم-. ثم الإمام في صلاة الصبح هل يجهر بالقنوت؟ فيه وجهان:

أحدهما: لا كالتشهد، وسائر الدعوات المشروعة في الصلاة.

وأظهرهما: أنه يجهر؛ "لَأَنَّهُ رُوِيَ الْجَهْرُ بِهِ عَنْ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-" (?).

وقوله: (على الظاهر) أي: من هذين الوجهين:

وقوله: (مشروع) أي: بصفة الاستحباب، وليس المراد مجرد الجواز، ولفظ الكتاب وإن كان مطلقاً فالوجهان في الإمام.

أما المنفرد فيسر به كسائر الأذكار والدعوات، وذكره في "التهذيب"، وأما المأموم فالقول فيه مبني على الوجهين في الإمام إن قلنا لا يجهر الإمام به فيقنت المأموم، كما يقنت الإمام قياساً على سائر الأذكار، وإن قلنا: يجهر الإمام به، فإن كان المأموم يسمع صوته فوجهان:

أصحهما: وهو المذكور في الكتاب: أنه يؤمن، ولا يقنت، لما روي عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم-: "كَانَ يَقْنُتُ، وَنَحْنُ نؤَمِّنُ خَلْفَهُ".

والثاني: ذكره ابن الصباغ: أنه يتخير بين أن يؤمن، وبين أن يقنت معه، فعلى الأول فيما إذا يؤمن فيه وجهان، حكاهما القاضي الروياني وغيره، أوفقهما لظاهر لفظ الكتاب أنه يُؤَمِّن في الكل.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015