وأظهرهما: المنع؛ لأنها تستحي منْه وتتعيَّر به، وعن القَفَّال وغيره: أن له ذلك فيما لا يستحي منْه، كغسل الثوب واستيقاء الماء وكنس البيت وطبخ الطعام، دون ما يرجع إلى خدمة نفسها غصب الماء على يَدها، وحمله إلى المستحم ونحوهما، لأنها تحتشمه وتَسْتَحْيِي منْه، وهذا ما ذكره في الكتاب؛ حَيْث قال: "وللزوج أن يتولى الخِدْمَةَ فيما لا يُسْتَحْيَى مِنْه" وهو كوجه ثالثٍ فارقٍ، وفيه إشعار ظاهِرٌ بأن النوعين جميعاً من وظيفة الخادمة، وبُنيَ عليه أنَّه إذا تولَّى بنفسه ما لا يُسْتَحْيَى منه فقد تَحْمِل بعض أعمال الخادمة، فهل تَسْتَحِقُّ النفقة التامَّة؟ فيه وجهان؛ بناء على أن السَّيِّد إذا سلَّم الأمة المزوجة ليْلاً، واستخدمها نهاراً، هل تَسْتَحِقُّ تمام النفقة؟ وأنا إذا قلْنا: لا تَسْتحقُّ التمام، فيحتمل أن نشطر ويحتمل أن تُوزَّع على الأفعال، وإلى هذا أشار بقوله في الكتاب: "ليخفف عن نفسه بعض مُؤْنَة الخادمة" لكن فيه كلامان:
أحدهما: ذكر أبو الفرج الزاز أن الذي يَجِبُ على الزَّوْج كفايته في حق المخدومة الشريفة؛ الطَّبْخ والغَسْل ونحوهما، دون حمل الماء إليها للشُّرْب، وحمله إلى المستحم، والترفُّعُ عن ذلك مَحْضُ رعونةٍ، لا عبرة بها.
والثاني: في "التهذيب": أنا نَعْنِي بالخدمة في الباب ما يَئُولُ إلى حاجتها؛ كحمل الماء إلى المستحمِّ، وصبه على يَدِهَا وغسل خرق الحيض ونحوها، فأما الطبخ والغَسْل والكنس، فلا يجب شَيْءٌ منْها على المرأة، ولا على خادمتها، بل هو على الزوْج، إن شاء فعله بنفسه، وإن شاء، بغيره، فالكلامان متفقان على النوعَيْنِ جميعاً لا يتوظَّفان على الخادمة، حتى يُفْرَض توزيع النفقة، وتخفيف بعض المؤنة، والاعتماد من الكلامَيْن على ما في "التهذيب" (?) دون الأَوَّل ويُخَرَّج مِمَّا ذكَرْناه أن للزَّوْج أن يتولَّى ما لا يُسْتَحْيَى منه بلا خلاف، والخلافُ مخصوصٌ بما يُسْتَحْيَى منه.
الرابعة: لو تنازعا في تعيين الخادمة التي تخدمها من الخادمة التي يستأجرها الزوج لِخِدمتها أو الجارية التي يُخْدِمُها من جواريه فوجهان:
أحدهما: أن المُتَّبَع اختيارها؛ لأنَّ الخِدْمةَ لها، وقد تكون التي عينتها أوفق لها وأسرع إلى الامتثال.
وأظهرهما: أن المتبع اختياره؛ لأن الواجب عليه يَكْفِيهَا الخدمة دون أن تكفي تلك المعيَّنة، وهذا كما أنه لا يجوز تطليقه توفير النفقة من طعام معيَّن، ولأنه قد تدخله ريبة وتهمة تختارها هذا في الابتداء.