أقراء، ثم أتت بولدٍ لزمانٍ يُمْكِنُ أن يكون مِنْ النِّكاح، فإنه يلحق به، وهذا قد ذكَرْناه مِنْ قبل، وبيَّنَّا اختلاف تصرُّف الأصحاب في النصَّيْن، وفرقنا بينهما بأن الوطء سبب ظاهر، والاستبراء ظاهرٌ يعارضه، وإذا تعارَضَا، سَقَط الظهور، وبقي الإمكان، والإمكانُ لا يُكْتَفَى به في الأمة، بخلافه في المسألة الأُخْرَى، وإذا قلنا بالظاهر، فلو أنكرت الاستبراء، فهل يحلف السيد أم يُصدَّق مِنْ غير يمين؟ فيه وجْهَان مَحْكِيَّان عن الحاوي وغيره، ورُبَّما بُنيا على أن الانْتِفَاء معلَّق بدعوى الاستبراء، أو بفعل الاستبراء، والظاهر تعليقُه بنفي الاستبراء ووجوب اليمين، وهو قضيَّة ما ذكره الشيخ أبو حامد وصاحب "المهذب" -رحمهما الله-، وصرح به أبو الفرج السرخسيُّ والمتولِّي، وحكاه القاضي الرُّويانيُّ عن الجمهور، وإذا قلْنا: يحلف فمحصول ما ذكر في كيفية يمينه، ثلاثة أوجه:
أحدها: أن يحلف على الاستبراء، ويكفي ذلك نافياً للنسب.
والثاني: وهو اختيار الداركيِّ، وصاحب الحاوي، أنَّه لا بُدَّ، وأن يضم إليه؛ أن الولد ليس مني.
والثالث: وبه قال أبو إسحاق -رحمه الله-: أنَّه لا يحتاج إلى التعرُّض للاستبراء، ويَحْلِف على أن الولد ليْس منه، وهذَا كما أنَّ في نفْي ولد الحُرَّة لا يحتاج إلى التعرُّض للاستبراء ويحلف على أن الولد ليس منه وقد ذكرَ القاضي الطبَرِيُّ وغيره: أن هذا أصحُّ، وفيه ما يُفْهِم أنه لو عَرَف أن الولد مِنْ غيره، ولم يَسْتَبُرِئْهَا يجوز له بقية والحلف عليه، لا على سبيل اللعان، والله أعلم.
وعن الحاوي حكايةُ وجهين في أنه كيف يتعرَّض في يمينه للاستبراء، أيقول: استبرأتُهَا قبل ستة أشهر من ولادة هذا الوَلَد، أو يقول: ولَدَتْه لستة أشهر بعْد استبرائي، ووجهين فيما إذا نكل:
أحدهما: أنه يلحقه بنكوله، والثاني: أنه تحلف الأمة، فإن نكلت، توقَّفْنا إلى بُلُوغ الصبيِّ، فإذا حَلَف بعْد البلوغ لَحِقَه.
ولو ادَّعت الوطء وأمِّيَّة الوَلَدِ، وأنكر السيد أصْل الوطء، فالمشهور، وهو اختيار القَفَّال: "أنه لا يُحَلَّف، وإنما حُلِّف في الصورة السابقة؛ لأنه سبق منْه الإقْرار بما يقتضي ثبوت النسب، وهو الوطء، وفيه وجْه: أنه يحلف؛ لأنه لو اعترف به، ثبت النسب، فإذا أنكر، حُلِّف، وحكاه في "التَّتِمَّة" عن اختيار القاضي الحُسَيْن، وإذا لم يكن ولد، فلا يحلف بلا خلاف. وفي الفصل بعد هذا مسائل:
إحداها: لو أقر بالوطء فأتتْ بولدٍ لأكثر مِنْ أربع سنين مِنْ وقْت الوطء، هل