أن ينصت ويسمع، قال الله تعالى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} (?) ولهذا يستحب للإمام أن يسكت بعد الفاتحة قدر ما يقرأ فيه المأموم الفاتحة كيلا يفوته استماع الفاتحة ولا استماع السورة، وإن كانت الصلاة سرية أو جهرية والمأموم لا يسمع لبعد، أو صم، فوجهان:
أحدهما: أنه لا يقرأ؛ لما روي أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "إِذَا كُنْتُمْ خَلْفِي فَلاَ تَقْرَؤُا إِلاَّ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ" (?).
وأصحهما: يقرأ كالمنفرد، وإنما لا يؤمر بالقراءة حيث يستمع؛ ليستمع، وأما الحديث فله سبب، "وهو أَنَّ أَعْرَابيًّا رَاسَلَ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- فِي قِرَاءَةِ الشَّمْسِ وَضُحَاهَا فَتَعَسَّرَت القِرَاءَةُ عَلَى رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- فَلَمَّا تَحَلَّلَ عَنْ صَلاَتِهِ قَالَ ذلِكَ"، ويستحب للقارئ في الصلاة وخارج الصلاة أن يسأل الرحمة إذا مر بآية رحمة، وأن يتعوذ إذا مر بآية عذاب، وأن يسبح إذا مر بآية تسبيح، وأن يتفكر إذا مر بآية مثل ذلك، وأن يقول: بلى، وأنا على ذلك من الشاهدين إذا قرأ: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ} (?)، ويقول: "آمنا باللهِ" إذا قرأ: {فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ} (?) والمأمَوم يفعل ذلك لقراءة الإمام.
وقوله في الكتاب: (فقولان: منصوصان) التصريح بكونهما منصوصين يعرف أنهما ليسا ولا واحد منهما مخرج، ولا يتوهم من ذلك أنه إذا أرسل ذكر القولين كان ثم تخريج، كما أن التعرض "للقديم" و"الجديد" يعرف تاريخ القولين، ولا يلزم من إرسال القولين أن يكون أحدهما قديمًا والآخر جديدًا.
وقوله: (وإن كان العمل على القديم) إشارة إلى ترجيح القول القديم، وبه أفتى الأكثرون، وجعلوا المسألة من المسائل التي يفتى فيها على القديم، ونازع الشيخ أبو حامد وطائفة فيه ورجحوا الجديد.
واعلم أن مسألة جهر المأموم بالتأمين في جملة تلك المسائل، إذا أثبتنا الخلاف فيها، كما تبين في الفصل السابق.
وقوله: (والمأموم لا يقرأ السورة في الجهرية ...) إلى آخره التعرض لحكم قراءته في الجهرية، وإهماله في السرية، فيه إشعار بأنه يقرأ في السرية، وهو الأظهر، كما بيناه، وإن لم يكن متفقاً عليه.
قال الغزالي: الرُّكْنُ الرَّابعُ: الرُّكُوعُ وَأَقَلُّهُ أَنْ يَنْحَنِي بِحَيْثُ تَنَالُ رَاحَتَاهُ رُكْبَتَيْهِ