فالحُكْم كما ذكرنا فيما لو أذن في الانتقال من مَسْكن إلى مَسْكن، فإن وُجِدَ سببُ الفراق بغد الانتقال إلى البلد الآخر، اعتدَّتْ في المنتقل إلَيْه، وإن وُجِدَ قبْل مفارقة عمْران البلد المنتقل عنه، لم تخرج بل تَعُود إلى المَسْكن، وتعتد فيه وإن كان في الطريق، فعَلَى الخلاف، وإن أذن في غير سفر النَّقْلة، نُظِر؛ إن تعلَّق بغرض مهمٍّ، كالتجازة أو حج وعمرة والاستحلال عن مظلمة ونحوها، ثم وُجِدَ سببُ الفراق، فيُنظر؛ إن حدث قبل أن تخرج من المسكن، فلا خلاف أنها لا تخرج بل تعْتد هناك، وإن خرجت منْه على قصْد السَّفَر ولم تفارق بعد عمران البلد، فوجهان:
أحدهما: وهو ظاهرُ النَّصِّ، واختيار الاصطخريِّ عن ابن أبي هريرة: أنه يلزمها الانصراف والاعتداد في المسكن؛ لأنَّها لم تشْرَع في السفر بعْد، فأشبه ما إذا لم تخرج من المنزل.
[والثاني: تتخير بين العود والمضى في السفر لأن عليها ضرر في إبطال سفرها وفوات غرضها] وحكي وجهٌ غريبٌ فارقٌ بين أن يكُون السفر سَفَر الحج، فلا يلزمها الانصراف وبين أن يكون غيره، فيلزم، وإنْ وُجِد سبَبُ الفراق في الطَّريق، فلا يجب الانصراف بل تتخير بين أن تمضِيَ، وهي معتدة في سيرها [وبين أن تعود] وذلك؛ لأن قطْع السفر مشقَّة ظاهرة بلحوق التعب من غير الوصول إلى المقصد وبالانقطاع عن الرُّفْقَة وغيرهما، وعن رواية ابن أبي هريرة وجهٌ ضعيف: أنه إن حدث قبل أن تقطع مسافة يوم وليلة، يلزمُها الانصراف، وإن استقر السفر، بقطع هذه المسافة لم يلزم وتخيرت، وعن أبي حنيفة -رحمه الله- أنه إذا طلَّقها أو مات عنْها وبيْنها وبيْن المسْكن ثلاثة أيام، لزمها المضيُّ إليه والاعتداد فيه، وإن كان بيْنهما مسيرة ثلاثة أيام، فإن كان ذلك الموضع موضِعَ إقامة، فتقيم فيه، وتعتدُّ [و] (?) إلا فلها المضيُّ إلى المقصد، ويجوز أن يُعْلَم؛ لذلك قوله في الكتاب: "وإن كان في الطريق، لم يلزمْها الانصراف" بالحاء والواو، وإذا خيَّرناها، فإن اختارت العَوْد إلى المسكن والاعتداد به، فذاك، وفي تعليق الشيخ أبي حامد أنه الأوْلَى، وإن اختارت المضيَّ إلى المقصد، فمضت إليه أو حدث سبَبُ الفراق بعْدما دخَلَتِ المقصد، فلها أن تقيم إلى قضَاء حاجتها، فإن زادَتْ إقامتها على مدة إقامة المسافرين، فإن قضَت الحاجة قبْل تمام هذه المدة المذكورة، ففي "التهذيب" و"الوسيط" وغيرهما: أن لَهَا أن تقيم إلى تَمَام مُدَّة المسافرين (?)، وهذا