للمولود حقًّا في النَّسَب، فإذا أقر، فقد التزم تلك الحقوق، ومَنْ أقر بما يُوجب عليه حقًّا من حقوق الآدميين، لم يتمكن من الرجوع عنه، وقد رُويَ عن عُمَر -رضي الله عنه- (?) أنه قال: "إذَا أَقَرَّ الرَّجُلُ بِوَلَدِهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ، لَمْ يَكُنْ لَهُ نَفْيُهُ"، وإن لم يُقِرَّ بِنَسَبه، وَأَراد نَفْيَهُ فقولان: الجديد: أن حق النفي على الفور؛ لأنه خيارٌ ثَبَت لدفع ضرر متحقَّق، فإذا لم يتأبد، كان على الفور، كالرَّد بالعَيْب.

والثاني: أنه لا يُشْترط وقوعه على الفَوْر؛ لأن أمر النسب خطيرٌ، وقد ورد الوعيد في نفْي مَنْ هو منه، وفي استلحاق مَنْ ليس منه، وقد يَحْتاج فيه إلى نظر وتأمُّل، فوجب أن يكون له مهْلة فيه، وعلى هذا فقولان:

أحدهما: أنه يمتد ثلاثة أيام، وبه قال أبو حنيفة -رحمه الله-؛ لأنها مدة قريبة، وفيها مُهْلة النظر والتأمُّل، وقد قدَّر الشرْع بها مُدَداً.

والثاني: أن له النفي متى شاء، ولا يَسْقط إلا بالإسقاط، فهذه ثلاثة أقوال، وقد سبق في الشفعة وخيار العتق نظيرها.

وعن الشَّافعي -رضي الله عنه-: أنه قال في بَعْض كتبه: إذا عَلِمَ به، يعني بالولد، فله نفيه بعد يوم أو يومين، فعن ابن سلمة أن التقدير باليومين قولٌ آخرُ، ولم يثبته سائر الأصحاب قولاً آخر، وقالوا: المراد أو ثلاثاً إذا تقرَّر ذلك، فالفصْل يتضح بصُوَرٍ:

إحداها: إذا قلْنا: إن النفي على الفَوْر، فلو أخَره بلا عذر، سقَطَ حقُّه، ولزمه الولد، وإن كان معذوراً بأن لم يجد الحاكم لغيبته أو تعذَّر الوصول إليه، أو بلغه الخبر، فأخَّر، حتى أصبح، أو حضرَتْه الصلاة، فقدَّمها (?)، أو أحرز ماله أولاً أو كان جائعاً أو عارياً، فأكل أو لبس أولاً، أو كان محبوساً أو مريضاً أو مُمَرِّضاً، لم يبْطُل حقُّه، ولكن إن أمْكَنَه الإشهاد، فعليه أن يَشْهد أنَّه على النفي، فإن لم يفعل، بَطَل حقه، وذكر ابن الصبَّاغ وغيره أن المريض، إن قَدَر على أن يُنفِذ إلى الحاكم، ويستدعي منه أن يبعث إليه نائباً، ليلاعن عنْده، فلم يفعل، بَطَل حقه، وإن لم يَقْدر، فيشهد حينئذ، وليَطرِدْ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015