لا يجب الحَدُّ، ولا لِعَان في مِثْله، فإنَّه كاذبٌ يقينًا، فكيف تُمَكِّنهُ من الحلف على أنَّه صادقٌ، ومنهم مَنْ حَكَى فيه وجهًا لدفع التعزير عن نَفْسه، وهو الوجه الذي تقدَّم ذِكْره، ولو قال لزوجته الكبيرة: زنَيْتِ وأنتِ صغيرةٌ، فسيأتي القول فيه -إن شاء الله تعالى-: في آخر الركن الثالث.

وقوله في الكتاب "فإن كانَتْ مجنونةً، فأَوْلَى بالجواز" يعني في صُورَة العَفْو والإسقاط، وقوله "وهما قصَد نفي الوَلَدِ" إلى مسألة الممسوح غير محتاج إلَيْه، بل مقصوده مفْهُومٌ مما سَبق، وذلك؛ لأنه قد بَيَّن من قبل أنه يجوز اللِّعان لنَفْي الولد، وإن سَقَطَت العقوبة، ومَنْ عرف أنه يُلاَعِن؛ لنفي الولد حيْث لا عقوبة، عرف أنه لا يتوقَّف اللعان على طلب استيفاء العقوبة. والله أعلم.

قَالَ الغَزَالِيُّ: (الرُّكْنُ الثَّانِي: المُلاَعِنُ) وَلَهُ شَرْطَانِ: (أَحَدُهُمَا): أَهْلِيَّةُ اليَمِينِ فَيَصِحُّ مِنْ كُلِّ مُكَلَّفٍ وَإِنْ كَانَ عَبْدًا (ح) أَوْ ذِمِّيَّاً (ح) * وَكَذَلِكَ إِنْ كَانَتِ الزَّوْجَةُ ذِمِّيَّةً وَلَكِنَّهَا إنْ لَمْ تَرْضَ بِحُكْمِنَا لاَ تُجْبَرُ عَلَى اللِّعَانِ إِذْ لَيْس عَلَيْهَا إِلاَّ حَدُّ الزِّنَا وَهُوَ لله تَعَالَى* نَعَمْ لَوْ رَضِيَتْ هِيَ وَامْتنَعَ الزَّوْجُ الذِّمِّيُّ فَفِي إِجْبَارِهِ قَوْلاَنِ* لأَنَّ حَدَّ القَذْفِ ثَابِتٌ لَهَا.

قَالَ الرَّافِعِيُّ: يعتبر في المُلاَعِن شرطان:

أحدهما: أهليَّة اليمين، واعلم أن المَشْهُور من قَوْل أصحاب أبي حنيفة أن اللِّعَان شهادةٌ، ومن قول أصحابنا أن اللِّعَان يمين مؤكدةٌ بلَفْظ الشهادة، واحتجوا لكونه يمينًا بما رُوِيَ أنَّه -صلى الله عليه وسلم- (?) قال لهِلاَل بْن أُميَّةَ: "احْلِفْ بِاللهِ الَّذِي لاَ إلَه إلاَّ هُوَ إِنَّكَ لَصَادِقٌ" وأنه لمَّا أَتَتِ المرأة بالوَلَد على النَّعْت المكروه، قال (?): "لَولاَ الأَيْمَانُ، لَكَانَ لِي وَلَهَا شَأْنٌ"، وبأنه يَصِحُّ من الفاسق والأعمى، وشهادَتُهما غير مقبولة، وبأن اللِّعان يؤتى به في معرض الخصومة، ويُلاَعِنُ الملاعِنُ لنفسه، وشهادة الإنسان لنَفْسِه غير مقبولة، ومن الأصحاب مَنْ يقول: إنه يمين فيه شائبة الشهادات (?)؛ ألا ترى أنَّه يُدْرَأ به

طور بواسطة نورين ميديا © 2015