دون السكوت عن النفي، وذلك لأن في اقتحام اللِّعانِ شُهرةً وفضيحةً يَصْعُب احتمالها على ذي المروءات، فيبعد إيجابه، وقد حكى القاضي الرُّويانيُّ عَدَمَ وجُوب النفي وجْهًا عن جماعة [من] (?) الأصحاب -رحمهم الله- ثم في "التهذيب" وغيره: أنَّه إن تيقَّن مع ذلك أنَّها زنَتْ، فيقذفها، وَيُلاَعِنُ، وإلاَّ فلا يقذفها؛ لجواز أن يكُون الوَلَد من زوج قبله أو من وطء شُبْهة، قال الأئمة: وإنَّما يحْصُل اليقينِ (?)، إذا لم يطأْها أصلاً أو وطئها، وأتَتْ بالولد لأكثر من أربع سنين من وقْت الوطء أوْ لأقل من ستَّة أشهر، وإن وطئها، وأتت به لأكْثَرَ من ستة أشهر، ولأقل من أربع سنين، فإن لم يستبرئْها بحيضةٍ أو استبرأَها، وأتَتْ لِدُونِ ستة أشهر منْ وقْت الاستبراء، فلا يَحِلُّ له النفي ولا عبرة بديبة يجدُها في نَفْسه أو شبهة تُخَيِّلُ إليه فسادًا.

وقد روي أن النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- (?) قال: "أَيُّهَا رَجُل جَحَدَ وَلَدَهُ، وَهُوَ يَنْظُرُ إِلَيْهِ، احْتَجَبَ اللهُ مِنْهُ، وَفَضَحَهُ عَلَى رُؤوس الأَوَّلينَ والآخِرِينَ" وإن استبرأها، وأتت به، لأكثر من ستة أشهر، ففيه وجُوهٌ جمَعَها الإِمام -رحمه الله-.

أحدها: أنَّه يُبَاح لَهُ النفي؛ لأن الاستبراء أمارةٌ ظاهرةٌ على أن الوَلَد ليْس منْه؛ ولذلك ينتفي (?) به النسب في ملك اليمين.

والأَوْلَى أن لا يَنْفِيَهُ؛ لأن الحامل قد تَرَى الدَّمَ.

والثاني: إن رأى بعد الاستبراء مخْيَلَة الزنا الَّتي تسلطه على القذف أو يتيقَّن الزنا، جاز النَّفْي، بل وَجَب لأن الغالب على الظَّنِّ، والحالة هذه، أنه ليس منْه، وإن لم ير شيئاً، فلا يجوز.

والثالث: يجوز النفي، سواءٌ وُجِدَتْ مخيلة أو أمارة، أو لم تُوجَدْ، ولا يجب بحال الاحتمال؛ لمكان التردُّدِ، والاحتمال الأوَّلُ من هذه الوجوه هو المذكور في "التهذيب"، والراجح عند صاحب الكتاب -رحمه الله-؛ [الثاني] لأنه حَكَمَ بجواز النَّفْي، إذا رأى مخيلةً، ولم يتعرض لخلاف فيه، وحكم بأن الظاهر عدم الجواز، إذا لم يَرَها، وكلام أصحابنا العراقيين يوافقه (?) أو يَقْرُب منه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015