يقوم للاعتدال ويطمئن فيه، بخلاف ما إذا خف بعد القراءة فقام ليهوي منه إلى الركوع حيث لا تجب الطمأنينة فيه لما سبق، وإن كان بعد الطمأنينة فهل يلزمه أن يقوم ليسجد عن قيام؟ حكى في "التهذيب" فيه وجهين: أحدهما: نعم كما يلزمه إذا خف بعد القراءة ليركع عن قيام.
وأظهرهما: لا؛ لأن الاعتدال ركن قصير فلا يعد زمانه، نعم لو اتفق ذلك في الركعة الثانية من صلاة الصبح قبل القنوت فليس له أن يقنت قاعدًا، ولو فعل بطلت صلاته بل يقوم ويقنت.
وأما القسم الثاني: وهو أن يتبدل حاله من الكمال إلى النقصان كما إذا مرض في صلاته فعجز عن القيام فيعدل فيه إلى المقدور عليه بحسب الإمكان، فإن اتفق في أثناء الفاتحة فيجب عليه إدامة القراءة في هوية؛ لأن حالة الهَوِيّ أعلى من حالة القعود.
قال الغزالي: الثَّالِثُ: القَادِرُ عَلَى القُعُودِ لاَ يَتَنَفَّلُ مُضْطَجِعاً عَلَى أَحَدِ الوَجْهَيْنِ إِذْ لَيْسَ الاضْطِجَاعِ كالقُعُودِ فَإِنَّهُ يَمْحُو صُورَةَ الصَّلاَةِ.
قال الرافعي: النوافل، يجوز فعلها قاعدًا، مع القدرة على القيام، لكن الثواب يكون على النصف من ثواب القائم؛ لما روي عن عمران بن الحصين -رضي الله عنه- قال: "سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- عَنْ صَلاَةِ الرَّجُلِ وَهُوَ قَاعِدٌ فَقَالَ: مَنْ صَلَّى قَائِمًا، فَهُوَ أَفْضَلُ وَمَنْ صَلَّى قَاعِدًا فَلَهُ نِصْفُ أَجْرِ الْقَائِمِ، وَمَنْ صَلَّى نَائِماً فَلَهُ نِصْفُ أجْرِ الْقَاعِدِ" (?)، ويروي "صلاة النائم على النصف من صلاة القاعد" (?) ولو تنفل مضطجعاً مع القدرة على القيام والقعود فهل يجوز؟ فيه وجهان:
أحدهما: لا، لأن قوام الصلاة بالأفعال، فإذا اضطجع فقد ترك معظمها وانمحت صورتها بخلاف القعود، فإن صورة الصلاة تبقى منظومة معه.
وأصحهما: الجواز؛ لما روينا من الخبر، ثم المضطجع في صلاة الفرض إن قدر على الركوع والسجود يأتي بهما كما تقدم، وهاهنا الخلاف في جواز الاضطجاع جار في جواز الاقتصار على الإيماء؛ لكن الأظهر منع الاقتصار على الإيماء ثم قال الإمام: ما عندي أن من يجوّز الاضطجاع يجوِّز الاقتصار في الأركان الذكرية كالتشهد والتكبير وغيرهما على ذكر القلب، وبهذا يضعف الوجه الثاني من أصله، وإن ارتكبه من صار إليه كان طارداً للقياس لكنه يكون خارجاً عن الضبط مقتحماً، ولمن جوز الاضطجاع أن يقول: ما روينا من الخبر صريح في جواز الاضطجاع فليجز، ثم المضطجع وإن جوزنا