مع قوله [إلى النكاح، والذي ذكَره القفَّال في "شَرْح التلخيص" قوله:] (?) "رددتها إلى النكاح" صريح بلا خلاف، وكذلك أورد الإِمام في قوله: "رددتها إليَّ" وخصص الخلاف بما إذا اقْتصرَ على قوله: "رددتها" ولكن نقل القاضي ابن كج أنَّ القاضي أبا حامِدٍ حَكَى في كتابه قولاً عن الربيع أن قوله "رددتُّها إليَّ" ليس بصريح، فيَجُوز أن يُعْلَم لطريقة القطع فيه خلاف بالواو، على أن إيراد جماعة من الأصْحَاب يُفْهم القطع بأن لفْظ الرد صريحٌ، وإن لم يقل "إِليَّ" أو "إلى نكاحي".
وقوله: "والتزويج صريح على وجْه آخَرَ" يجوز أن يُجْعَل مبتدأ، فلا يكون في اللفظ حكاية الوجوه الثلاثة في لفظ الإِمْسَاك، ويجوز أن يُجْعَل متعلقاً بقوله: "وكذلك لفظ الإمساك" فيكون اللفظ متعرِّضًا لذِكْر الوجوه الثلاثة، وهي جاريةٌ في اللفظَيْن على ما بيَّنَّا، فأما لفْظُ الردِّ، فلم يُنْقَل فيه وجْه اللغو، والخلاف في لفظ الإمساك وقد تعرَّض مرةً في أول "الخُلْع" لكن على سبيل الاستشهاد.
المسألة الثانية: ذكَروا وجهَيْن في أن صرائح (?) الرجعة هل تَنْحصِر أو كل لفظ يؤدي معناه، فهو صريح مثْل قوله: رفَعتُ التحريم، وأعدتُّ الحِلَّ، ونحوهما.
أظهرهما: الانحصار؛ لأن صرائح الطلاق محصورةٌ حتى لو قال: قطَعْتُ النكاح، أو رَفَعْتُه، أو استأصلْتُه، كان ذلك كنايةً، وإذا كانت صرائحُ الطلاق محصورةً، مع أنه إزالةُ مِلْكٍ وحِلٍّ، فلأن تكون صرائحُ الرَّجْعةِ محصورةً، مع أنها اجتلابُ حِلٍّ، كان أَوْلَى.
والثاني: أنها غير محصورة؛ لأن حكم الرَّجعة يُبْنَى عنْه لفظها فيقوم مقامه ما يؤدي معناه، بخلاف الطلاق؛ فإنه يشتمل على أحكام غريبةٍ لا يحيط بها أهْلُ اللغة، فتُؤْخَذ صرائحها من الشَّرْع.
الثالثة: في صحَّة الرجعة بالكنايات وجهان بُنِيَا على الخِلاَف في أنَّ الإشْهَاد، هل هو من شروط الرَّجْعة فيه قولان:
أحدهما: نعم، وبه قال مالك إنه شَرْطٌ؛ لظاهر قوله تعالى: {فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2].
وأصحهما، وبه قال أبو حنيفة: أنه ليس بشَرْط؛ لأن الرَّجعة في حُكْم استدامة النكاح السابق؛ ولذلك لا يحتاج إلى الوليِّ ورضا المرأة، وَرُوِيَ أن عمران بْنِ الحُصَيْن -رضي الله عنه- سُئِلَ عَمَّن راجع امرأته، ولم يُشْهِد، فقال: راجع من غير سنة،