الثاني، واعترض على الأول بأن قضيته أن يَقَع ثلاثُ طلقات، فيما إذا قال: أنتِ طالقٌ ثلاثاً إن شاء الله، ثم قال: أنتِ طالقٌ، فإنا عَرَفْنَا مشيئة الله تعالى، حيْث وقَع الطلاق، كذا حكاه أبو الحسن العَبَّادِيِّ، ولك أن تقول: إنما يَلْزم ذلك، وأن لو كان المعنى "إن شاءَ الله أن تطلقي" أما إذا كان المعنى: إنْ شَاء الله أن تُطَلَّقِي ثلاثاً، فلا يلزم، والظاهر: الثاني؛ لانصراف اللفظ إلى جملة المذكور، ثم مشيئة الله تعالى، وإن كانَتْ قديمة، لكنَّها تتعلَّق بالحادثان، ويصير الحادث عنْد حدوثه مراداً، فقدله: "إن شَاءَ الله تعليق بذلك التعليق المتجدد، ولا فرق بين أن يقول: أنتِ طالق وبيْن أن يقول إن شاء الله فأنتِ طالقٌ وأَلْحَق بهما في "الشامل" ما إذا قال: إن شاء الله، أنتِ طالِقٌ، وذكر الحناطي في هذه اللفظة وجْهاً آخر، ولو قال: أنتِ طالقٌ متى شاء الله، فهو كقوله: إن شاء الله، وكذا يَمْنَع الاستثناء انعقاد التعليق، مثْل أن يقول: أنتِ طالقٌ إن دخلْتِ الدار، وان شاء الله، أو إذا شاء الله، وَيمْنَع العتق إذا قال: أنتَ حرٌّ، إن شاء الله، وانعقادَ اليمين والنَّذْر، وصحة العَفْو عن القِصَاص، والبَيْع، وسائر التصرُّفات.

وقال أحمد: الاستثناء يُؤَثِّر في الطلاق؛ ولا يؤثر في العِتْق؛ لأن العتق محبوب، والطلاق مكروه، فكأنه يشاء العتق دون الطلاق، وروى الإِمام -رحمه الله- وجماعة عن مالك -رحمه الله- مثله، والأثبت عنْه أنَّه لا يؤثِّر الاستثناء في العِتْق، ولا في الطلاق، وإنَّمَا يُؤثِّر في اليمين بالله تعالى، ولو قال: أنتِ طالقٌ إذا شاء الله أو أن شاء الله بفتح الهمزة، ويقع الطلاق في الحال؛ لأنَّه تعليق، وهذا لو قال: إذا شاء زَيْدٌ أو إنْ شاء، ونقل الحناطي في "إن شاء الله" وجْهاً ثانياً أنَّه لا يقع الطلاق، وثالثاً: أنَّه يُفرَّق بيْن الخبير والجاهل باللغة وهذا ما اختاره القاضي الرُّويانيّ -رحمه الله- ولو قال: أنتِ طالقٌ ما شاء الله، ففي "التتمة" وغيره أنَّه يقع الطلاق، ولا يقع أكثر من واحدة (?)؛ لأنا لا نَدْري هلْ شَاء أكْثَرَ من ذلك، ولو قال: أنتِ طالقٌ ثَلاَثاً، وثلاثاً إن شاء الله أو ثلاثاً وواحدةً إن شاء الله أو واحدةً وثلاثاً إن شاء الله، قال ابن الصَّبَّاغ -رحمه الله- الَّذي يقتضيه المَذْهَب أنَّه لا يقع شيْء، وتابعه المتولي [والوجه بناؤه على الخلاف السابق أن والاستثناء بعد الجملتين ينصرف إليهما أم إلى الأخيرة فقط وكذا ذكره الإِمام] وقد ذَكَرنا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015