قَالَ الرَّافِعِيُّ: الاستثناء في الكلام معْهُود، وفي القرآن والسنة، موجودٌ، فإذا قال: أنتِ طالقٌ ثلاثاً إلا واحدةً، وقع ثنتان؛ لأن قوله ثلاثةٌ إلا واحدة، عبارة عما يعبّر عنْه بلفْظ الاثنتين، وإذا قال: ثلاثاً إلا اثنتين، وقَعَت واحدة، وُيشْتَرَط في الاستثناء شيْئَان:
أحدهما: أن يكون مُتَّصِلاً باللفظ، فلو انفصل، لم يؤثِّر الاستثناء، وسكتة التنفس والعي، لا تمنع الاتصال. قال الإِمام -رحمه الله-: والاتصال المعتبَرُ هاهنا أبلغُ ممَّا يرعى بين الإِيجاب والقَبُول (?)، فإن الإِيجاب والقبول صادران من شخصَيْن، والمقصود ألا يتخلَّلهما ما يشعر بإعراضه عن الجواب، والاستثناء والمستثنى منْه صادران من شَخْص واحد، وقد يحتمل بين كلام شخصين ما لا يحتمل بين أبعاض كلامِ الوَاحِد، ولذلك لا ينقطع الاتصال بيْن الإِيجاب والقَبُول بالكلام اليسير على الأصح، وفي الاستثناء يقطع، هذا هو الظَّاهر، وحَكَى القاضي ابن كج -رحمه الله- وجْهاً آخر أنَّ الكلام اليسير الأجنبيَّ بين المستثنى والمستثنى منْه لا يَقْدَح في الاستثناء، ثم هلْ يشْتَرَط مع اتصال اللَّفْظ أن يكُونَ قصد الاستثناء مقْروناً بأول الكلام فيه وجهان:
أحدهما: لا، لو بَدَا لَهُ الاستثناء بعْد تمام المستثنى منْه، فاستثنى، حكم بموجبه، وعن الشَّيْخ أبي محمَّد نسبة هذا الوجْه إلى الأستاذ أبي إسحاق -رحمه الله- وأصحُّهما، وادعى أبو بكر الفارسيُّ الإِجماع علَيْه: أنَّه لا يُعْمَل (?) بالاستثناء، ويقع الطلاق؛ لأن الاستثناء بعْد الفصل مُنْشَأٌ بعد لحوق الطلاق، فيلغو.
وما ذكرنا من الاتصال لفظاً، واقتران القصْد بأول الكلام حكْمُه في الاستثناء بـ"إِلاَّ" وأخواتها وفي التعليق بمشيئة الله تعالى، وفي سائر التعاليق واحد.
والثاني: ألاَّ يكون مستغرقاً؛ ليبقى شيْء من المستثنى منْهُ (?) وإلا فهُو رفْع الطلاق