وأصحُّهما: المَنْع [لأنَّه] لا يجُوز إكراهه عليْه؛ بل هو مقرر على كُفْره بالجزية بخلاف الحربيِّ، والمولى بعد مضِّيِّ المدة إذا طلق مكرهاً، يقع طلاقه لأنَّه مكره عليْه بِحَقٍّ، هكذا ذكَرُوه.
وزاد في "التتمة" فقال: هذا في الطَّلْقة الواحِدَة، أمَّا إذا كرهه الإِمام على ثَلاَث طلقات، وتلفظ بها، فإن قلْنَا: إنَّه لا ينعزل بالفِسْق، تقع واحدةً، وتلغو الزيادة إن قلنا: يَنْعَزل، لم يقع شيء، كما لو أكْرَهَه غيْره، ولَك أن تَقُول: ليْس عَلَى المولى إكْراه يمنع مثله (?) الطلاق حتَّى يقال إنَّه لا يقع الطَّلاق؛ لأنَّه إكْراه بحقٍّ، وذلك لأنَّه لا يُؤْمر بالطَّلاق على التعيين، وإنَّما يُؤمر بالفيئة أو الطَّلاق، ومثل هذا الإِكراه لا يَمْنع وقوع الطَّلاق في حقه غير المولى ألا ترى أنَّه لو أكرهه على أن يطلق زوجته أو يعتق عبده فأتى بأحدهما ينفذ؟ ولو أكرهه على تطليق إحدى زوجتيه فطلَّق واحدةً معيَّنةً يقع الطَّلاق على ما سيأتي على الأثر، وأيضاً ففيما يَحْصُل به الإكْراه اختلافٌ يبين في الفَصْل التالي لهذا الفصل، فإن قلْنا: إِنه لا يَحْصُل إلاَّ [بالقتل] والقَطْع، فليس للقاضي حَمْل المولَى على الطَّلاق بهَذا الطريق؛ فلا يكون الحَاصِل إكراهاً، ولو قُدِّرَ أنه فَعَل ذلك، كان ظالماً، فليكن كإكْراه غيره، ولا يخرج الإِكْراه على الرضاع عن كونه محرماً، فإن الحُكْمَ يتعلَّق بوصول اللبن إلى الجَوْف، وفي امتناع القِصَاص بالإِكْراه على القتل والحَدِّ بالإِكراه على الزِّنَا قولان مذكوران في موضعهما.
وقال أبو حنيفة: ينْعَقِدُ بَيْع المكره، ولا يلزم، ويصحُّ نكاحه، وطلاقه، وإعتاقه.
واحتج الأصحاب للمَذْهَب بما روي أنَّه -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا طلاق في إغلاق" (?) وفسَّره علماء الغريب بالإِكراه وقال: "رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ".
وروي أن رجلاً تدلى بحَبْل ليشتار عسلاً، فجاءته امرأته، وقالتْ: تُطَلِّقنِي ثَلاثاً، وإلاَّ قطعت الحبل، فطلَّقها ثلاثاً، ثم أتى عُمَرُ -رضي الله عنه- فقال: "ارْجِعْ إلَى أَهْلِكَ، فَلَيْسَ هَذَا بِطَلاقٍ" (?) وبأنه قول لو صدَر منْه بالاختيار، بانَت زوجته، فإذا حمل عليه بإكراه باطل، وجب أن يلغو، كالردة، وبأنه قوْلٌ محمول عليه بغير حق؛ فلا يلزمه حُكْمه، كما لو أُكْرِه على الإِقْرار بالطَّلاق، وقد سلم أبو حنيفة أنَّه إذا أقرَّ بالطَّلاق