أحدهما: أنَّه يجوز تفويض التعليق، كتفويض التنجيز.

والثاني: أنَّهُ يُنْظَر في الصِّفَة التي أمر بالتعليق بها، إن كانَتْ توجد لا مَحَالَة؛ كطلوع الشَّمْس، ومجيْء رأس الشهر، فيَجُوز؛ لأنَّ مثْل هذا التَّعْلِيق ليْس بيمين، وإن وإن قَدْ يوجد، وقد لا يُوجَد كدخول الدار، فهو يمين، وتفويض الإِعتاق إلى العبْد كتفويض الطلاق إلى المرأة في الأحكام المذكورة.

قَالَ الغَزَالِيُّ: (فُرُوعٌ: أَحَدُهَا): لَوْ قَالَ: أَبِينِي نَفْسَكِ فَقَالَتْ: أَبَنْتُ وَنَوَيَا وَقَعَ، وَإِنْ لَمْ يَنوِ أَحَدُهُمَا لَمْ يَقَعُ (ح)، وَلَوْ قَالَ: طَلِّقِي نَفْسكِ فَقَالَتْ: أَبنْتُ وَنَوَتْ وَقَعَ، وَقِيلَ: لاَ يَقَعُ لِمُخَالَفَةِ الكِنَايَةِ الصَّرِيحَ، وَقِيلَ: ذَلِكَ يَجْرِي في تَوْكِيلِ الأَجْنَبِيِّ أَيْضاً، وَلَوْ قَالَ: اخْتَارِي فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا طُلِّقَتْ رَجْعِيَّةً، وَإِنِ اخْتَارَتْ زَوْجَهَا لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ، وَالقَوْلُ فِي نِيَّةِ الكتَابَةِ قَوْلُ النَّاوِي.

قَالَ الرَّافِعِيُّ: كما يجوز التفويض بصريح الطَّلاق، ويُعْتَبَر من الزَّوْجة المفوض إليها باللفظ الصريح، كذلك يجوز التَّفْوِيض بالكنايات مع النية، وَيُعْتَبَر منها بالكناية مع النية، ولا يُشْتَرَطِ توَافُقُ اللَّفْظ من الجانبين، إلاَّ أن يقَيد التفويض، فإذا قال: أبيني نفسك أو بتى فقالت: أبَنتُ: أو بتت، وَنَويا، وقَع الطلاق، وإن لم يَنْوِيَا أو لم يَنْوِ أحدهما لم يَقَعْ، أما إذا لم يَنْوِ، فلأنه لم يفوِّض الطلاق، وأما إذا لم تنوِ؛ فلأنها ما امتثلت، وعن أبي حنيفة: أنَّه يكفي نية الزَّوْج، ولا حاجة إلى نيتها, ولو قال لها: طَلِّقِي نَفْسَكِ، فقالت: أَبَنْتُ نفسي، أو أنا خليَّةٌ أو بريةٌ، وقع الطلاق، كما لو قال بع بلفظ التمليك يصِحُّ.

وعن ابن خيران؛ أنَّه لا يقع لاخْتِلاف اللفظَيْن، ورُوِيَ عن أبي عبيد بن حرْبوَيْه مثْله، وممَّن رواه ابن القَطَّان عن أبي محمَّد الفارسي عن ابن حرْبَوَيْه، وإذا قال طلِّقِي نَفْسَكِ، فقالَت للزوج: طلَّقْتُكَ، ونوَت تطليق نفْسِها، فهُو من صور هذا الخلاف، ويجري الخلاف في عكْسه، وهُو أن يفوِّض ببعض الكنايات، فيقول: أبيني نفْسَك أو فَوَّضْتُ إِلَيك أمْرَك أو ملكتك نفسَكِ، أو أمْرُكِ بيدك، وينوي، فتقول: طلَّقْت نفسي، وعن القاضي الحُسَيْن وغيره، أنَّ الخلاف يجري فيما إذا قال لأجنبيٍّ: طلِّق زوجتي، أبنتها، ونوى، أو قال: أبِنْ زوْجَتي، ونَوى، فقال الوكيل: طلَّقْتهَا, ولو قال لزوجته: أبيني نفْسَكِ، ونوى، فقالَتْ: أنا خليَّةٌ ونَوت، فاختلاف الصيغتين، هل يمنع وقُوع الطَّلاق تفريعاً عَلَى وجه الرجوع، وحَكَى الإمامُ فيه تردُّداً، قال: والأَوْجَهُ أنَّه لا يَمْنَع؛ لأن الاعتماد هاهنا على النية، واللفْظ غيْر مسَتقلٍّ من الجانبين بخلاف اختلاف الصَّريح، والكناية ولو قال: طلِّقي نفسك بصريح الطلاق أو بكناية الطَّلاق، فعَدَلت عن المأذون إلى غيْره، لم تُطَلَّق بلا خلاف.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015