عنه أبوابَ الطَّلاَق بقوله -تعالى-: {إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: 1] لأنه تكلم أولاً في البدعي والسنِّيِّ من الطلاق، وهذه الآية أصل مرجوعٌ إليه في هذا الفصْل، على ما ستقف عليه، ويقال: طلَّقَ الرجلُ امرأته تطليقاً "وطَلُقَتْ هي تَطْلُقُ طَلاَقاً فهي طالِقٌ، وطالقَةٌ، وعن الأخفش أنه لا يقال طَلُقَنْ بالضَّمِّ، وفي "ديوان الأدب" أنه: لُغَة، ورَجُل مِطْلاَقٌ وطُلَقَةٌ: كثير الطلاق للنساء، وتفاوت (?) معنى الطلاق في قولهم: ناقةٌ طالِقٌ، أي مرسَلَة ترعى حيث تشاء، وُيطْلَقُ الظبْيُ أي من لا يلوي على شيء وأَطْلَقْتُ الأسيرَ أي خلَّيْته، والناقةَ من عقالها، فطلقت هي، والطليق الَّذي خُلِّيَ عن أسرة، حُبِسَ فلانٌ مطلقاً أي بغَيْر قيد، وبغَيْر طَلْق أي غير مقيَّد، وأطلق يده بالخير وطلقها، ورجل طَلْقُ اليدين أي سَمْحٌ، وفلان طلْق الوَجْه واللسانِ وطليقُهُما.

واعلم أن الطلاق "ينجز تارة، ويُعلق أخرى، والقسمان يشتركان في شروط وأحكام وتختص التعليقات بأحكام، ولا تكاد تنحصر صورها، وأوضاعها فجعل الكتاب على شَطْرين: أحدهما: في الأحكام العامة. والثاني: في التعليقات خاصَّةً، وذكر منها فنوناً تحصل بها الدُّرية، وهذا التقسيم -وإن لم ينص عليه في هذا الموضع- فهو بيِّنٌ من قوله بعد الشطْر الثاني في التعليقات: ثُمَّ الطَّلاَقُ ينقسِمُ باعتبار إلى جَائِز ومحرَّم وباعتبار آخرَ إلى نَافِدٍ، ولاغٍ وباعتبار ثالثٍ: إلى واحِدٍ، وعَدَدٍ وباعتبارٍ رابع إلى ما يقع في لَفْظه استثناءً وإلى غيره، وباعتبار خامس إلى ما يعتريه الشكُّ وإلى غَيْره، والحاجة تمَسُّ إلى معرفة أحوال هذه الاعتبارات، وأحكامها فعقد الباب الأول؛ لبيان الجائز والمحرم منه.

والثاني: لبيان أركان الطَّلاَق التي هي مناط النافذ ليتبين من اللاغي.

والثالث: لما يعرض فيه من العدد.

والرابع: الاستثناء.

والخامس: الشك.

أما الباب الأول، فقد ترجمه ببدعة الطَّلاَق وسنته، ولم يزل العلماء قديماً وحديثاً يصفون الطلاق [بالبدْعَة والسنَّة] ويقولون: الطلاق ينفذ سنِّياً تارة وبدعيًّا أخرى، وفي معناهما اصطلاحان:

أحدهما: أن السني هو الذي لا يَحْرُم إيقاعه والبدعي ما يحرم إيقاعه وعلى هذا فلا قسم سوى السني والبدعي.

والثاني: -وهو المشهور المستعمل- أن السُّنِّي طلاقُ المدخُولِ بها الَّتي ليست

طور بواسطة نورين ميديا © 2015