يحصُلُ بالقَدْح الأخيرِ، بل به، وبما قبله، فيكون حُكْم ما قبله في التحريم حكْمَه، كما قال فَقْء عين الأعور لا يوجب إلاَّ نصف الدية؛ لأن العمى لا يحصل بهذا الفَقْء وحده، بل به وبما قبله، واختلف الأصحاب في ذلك؛ فعن أبي إسحاق وابن سُرَيْج أنَّهما توسَّطَا، فقالا: إن كانت المرأة عالمةً بأنَّه لم ينوِ إلاَّ واحدةً استحق تمام الألف، وهو المراد من النص؛ لأنَّها إذا علمت الحال، لا تبذل الألف إلا في مقابلة تلك الواحدة، ويكون غرضها تحقيقَ الحُرْمة الكبرى, وتعني بقولها: طلِّقْني ثلاثاً كمل لي الثلاَث، فأما إذا لم تعلَّمْ فإنما تبذل الألف في مقابلة الثلاث، فوجب أن يتوزع كما قاله المزنيُّ، وأخذ بظاهر النص آخذون منهم أبو الطيِّب بنُ سلمة، وقالوا: لا فرق بين أن تكون عالمةً أو جاهلةً، والزَّوْج يستحق تمام الألف في الحالين؛ لأن الواحدة والصورة هذه كالثلاث إذا كانت مملوكةً له، وأبطلوا التنزيل المذكورَ بأنه نصَّ في "الأم" فيما إذا قالت: طلِّقْني ثلاثاً بألف، وهو لا يملك إلاَّ طلقَتيْن، على أنه إن طلَّقَها واحدةً يستحق ثُلُثَ الألف، وإن طلقها ثنتين (?) يستحق الكلَّ، وهي إما عالمةٌ أو جاهلةٌ، إن كانت عالمةً وجب أن يستحق بالواحدة نصف الألف؛ لأنها بَذَلَتِ المال في مقابلة الطلقتين، وإن كانت جاهلةً لا يستحق بطلقتين إلاَّ ثلثي الألف، فظهر أنه لا فرق عنده بين العلْم والجَهْل، واعتذر هؤلاء عما احتج به المزنيُّ بأن العقل يستتر على التدريج، فكل قَدْح يزيل شيئاً من التمييز، وزوال البصر، كما أثر فيه الفقْء أثَّرَ فيه ما قبله فالحرمة الموصوفة بأنها كُبْرَى لا يثبت شيء منْها بالطلقتين الأوليين، وقد يقال: المراد من الحُرْمَة الكبرى, تَوَقّف الحل على أن تنكح زوجاً آخر، وهذه خطَّة واحدة؛ حتى يتأثر بعضها بالطلقة الثالثة، وبعضها بما قبلها، وجرى بعضهم على ما أطلقه المزني وقالوا: الواجبُ الثلثُ، علمت المرأة بما بقي من الطلاق، أو لم تعلَمْ، ويُرْوَى ذلك عن ابن خَيْران، وأوَّلَ هؤلاء النصَّ من وجهين:
أحدهما: عن ابن خيران صورة النص ما إذا قالت: تملك عليَّ ثلاث طلقات فطلقني الثلاث بألف وقال الزوج: كنْتُ قد طلقْتُكِ، ولا أملك الآن إلاَّ واحدةً، فقالتْ: طَلِّقْني ثلاثا؛ ليزول الإِشكال، ففعل، فله الألْف؛ لأن عندها أنَّه أوقع الثلاث، وقوله: يطلقها واحدة يريد عقد الزوج؛ لأن الثنتين (?) لا يقعان بزَعْمه.
والثاني: حكى الحناطي عن ابن خَيْران والإِصطخرِّي أن نصَّه على تَمَام وجُوب الألْف مبنيٌّ على أن الخُلْع فسْخٌ، وهذا الكلام غير مخمَّر (?)؛ فإن الخلاف في أن الفراق على مال فسْخٌ أو طلاقٌ، موضِعُه ما إذا لم يجر بينهما لفْظُ الطلاق، وإنما جَرَى