الطلاق رجعيًّا، وإن ذكر الزوجُ المالَ، ولم تذكر المرأة، لم يقَعِ الطلاق؛ لأنَّها لم تسألْ [فيها] فراقاً، والزوج أنشأ فراقاً على مال لم يتصل به القَبُوَل، وإن ذكَرَتْ هي المالَ، فقالت: أبِنِّي على ألْفٍ، فقال: أبنتُكِ، فوجهان:
أحدهما: أنَّه لا يقع الطلاق؛ لأن كلامه جوابٌ عن سؤالها، فيعود المال في الجواب، ولم يوجد منها القبُول، فصار كما إذا ذكِرَا جميعاً.
والثاني: أنَّه يقع الطلاق رجعيَّا، ويحمل على ابتداء الخِطَابِ منه، ونظم "التهذيب" يقتضي ترجيح الوجه الثاني، لكنَّ الإِمام ذَكَر، أن الأصحَّ هو الأول، ويحكى عن القاضي الحُسَيْن مثْلُه، وهو المذكور في الكتاب الموافق للوَجْه المشهور فيما إذا قالت: طلقْني بألف، فقال: طلَّقْتُ، واقتصر عليه، ولا شكَّ أنه لو قال الزوج: قصدت الابتداء دون الجواب، يقبل، وَيقَع الطلاق رجعيَّاً، واعلم أن قوله في الكتاب في ابتداء المسألة "فَإِنْ نَوَيَا نَفَذ" يعني أصل الطلاق، ثم إن ذكر مالٌ، وجب المال والطلاقُ بائنٌ على ما سبق، وإن لم يُذكَرْ مال فالطلاق رجعيٌّ، وهو المراد من قوله آخِراً "ولو قالت: أبِنِّي فقال: أبنتك" إلى آخره، والمراد ما إذا نوى الزوج الطلاقَ مع نيتها أو دون نيتها، وقوله: "مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ مالٍ مع نيته" لفظ النية لا حاجة إليه؛ فإن النية المجردة لا أثر لها في المال، ومطلق لفظ الإِبانة لا يقتضي بخلاف لفظ الخُلْع، حيث قلنا: إنَّه يقتضي المال [وإن] (?) جرى من غير ذكر مال على أجَد الوَجْهَيْن؛ لأن ذاك مأخوذ من العرف والاستعمال الشائع من لفظِ الخُلْع، ولَفْظُ "الإِبانةِ" لا يختص في العُرْف بما إذا كان هناك مالٌ، هذا إذا كان اللفظُ المستعملُ في الجانبين كناية، وإن كان صريحاً في أحد الجانبين، كنايةً في الآخر، فالكنايةُ مع النية كالصريح، ودون النية لغْوٌ لا عبرة بها، فإذا قالت: أبِنِّي على كذا ونوت فقال: طلقتُكِ أو قالت: طلِّقْنِي بكذا، فقال: أبنتك، ونوى، فالحُكْمُ كما لو كان المستعمل من الجانبين صريحَ الطلاق، هذا هو الظاهر.
وعن ابن خيران: أنَّهَا إذا قالت: طَلِّقْني، فقال: أبنْتُكِ، ونوى، لم يقع؛ لأن الصريح آكَدُ، وأقوى فالمأتي به غير المسؤول (?).
قَالَ الغَزَالِيُّ: (الفَصْلُ الثَّانِي فِي الْتِمَاسِهَا طَلاَقاً مُقَيَّداً بِعَدَدٍ): وَفِيهِ صُوَرٌ، فَلَوْ قَالَتْ: طَلِّقْنِي ثَلاَثاً بِأَلْفٍ فَطَلَّقَ وَاحِدَةً اسْتَحَقَّ ثُلُثَ الأَلْفِ بِخِلاَفِ جَانِبهِ، فَإِنْ لَمْ يَبْقَ عَلَيْهِ إِلاَّ طَلْقَةٌ وَطَلَّقَ الآخِرَةَ اسْتَحَقَّ (ز) تَمَامَ الأَلْفَ، وَإِنْ بَقِيَتْ طَلْقَتَانِ اسْتَحَقَّ بِالوَاحِدِ ثُلُثَ الأَلْفِ، فَإِنْ أَوْقَعَهُمَا اسْتَحَقَّ الجَمِيعَ لأَنَّهُ أَفَادَ البَيْنُونَةَ الكُبْرَى، وَلَوْ قَالَتْ: طَلِّقْنِي