وذكروا أنَّه لو كان التعدِّي منهما جميعاً فكذلك يفعل الحاكم فلم يتعرضوا للحيلولة، قال (?) صاحب الكتاب [قدَّس الله رُوحَه]: "يُحَالُ بينهما حَتَّى يعُودَ إلى العَدْل"، قال في "الوسيط": "ولا يعتمد قوله في العَوْد إلى العَدْل، وإنما يعتمد قَوْلُهَا وشهادةُ القرائن وإن كان لا يمنعها شيئاً من حقها ولا يؤذيها بضَرْب ونحْوه ولكن يَكْرَهُ صحبتها لمرض أو كِبَرٍ ولا يدعوها إلى فراشه أو يهم بطلاقها فلا شَيْءَ عَلَيْهِ، وحسن أن تسترضيه بترك بعض حقها من القَسْم أو من النفقة؛ لما (?) روي أن النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- هَمَّ بِطَلاَقِ سَوْدَةَ فَوَهَبَتْ نَوْبَتَهَا لِعَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- (?)، وقال تعالى: {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا} [النساء: 128] وكذلك لو كانت الزوجة تشكو زوْجَهَا وتكرهه، فيحسن أن يَبَرَّها ويستميل قلْبَهَا بما تيسر له.
قَالَ الغَزَالِيُّ: (الثَّالِثَةُ): أَنْ يُشْكِلَ الأَمْرُ فَيَبْعَثَ حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا لِيَنْظُرَا، ثُمَّ الصَّحِيحُ مِنَ القَوْلَيْنِ أَنَّهُمَا وَكِيلاَنِ، وَلاَ يَنْفَذُ تَصرُّفُهُمَا فِي التَّفْرِيقِ إِلاَّ بِالإِذْنِ، وَالقَوْلُ الثَّانِي أنَّهُمَا مُوَلَّيَانِ مِنْ جِهَةِ الحَاكِمِ حَتَّى يَنْفَذَ طَلاَقُهُمَا وَخُلْعُهُمَا، وَعَلَى هَذَا يُشْتَرَطُ عَدَالَتُهُمَا وَهِدَايَتُهُمَا وَلاَ يُشْتَرَطُ اجْتِهَادُهُمَا وَلا كَوْنُهُمَا مِنْ أَهْلِ الزَّوْجَيْنِ.
قال الرَّافِعِيُّ: إذا نَسَبَ كل واحدٍ من الزوجَيْن الآخر إلى التعَدِّي وقبح السيرة، وسوء الخلق، وأشكل الأمر على الحاكم، فلم يعرف المتعدِّيَ منهما؛ يعرف حالهما من ثِقَةٍ في جوارهما خبير بشأنهما فإن لم يكن أسكنهما بجنب ثقة يَتَفَحَّصُ عن حَالِهِمَا وينهيه إِلَيْه، فإذا تبيَّنَ له الظَّالِمُ مِنْهُمَا منعه من الظُّلْم، هكذا أَطْلَقُوهُ، وظاهره الاكتفاء بقولِ عَدْلٍ واحدٍ، ولا يصفو ذلك عن الشبهة، وإذا اشتد الشِّقَاق بينهما، وداما على التسابِّ الفاحش، والتضارب، بعث القاضي حَكَما من أهل الزوج وحكماً من أهلها لينظرا في أمرهما ليصلِحَا بَيْنَهُما أو يُفَرِّقَا إذا لم يريا ما بينهما قابلاً للصلاح قال الله تعالى: {فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا} [النساء: 35] الآيَةَ وهل نقول بعث الحكمين واجب لفظ صاحب "التهذيب" أن على الحاكم أن يبعث حكمين وهو مشعر بالوجوب [وقد يحتج له بظاهر الآية وقال القاضي الروياني في "الحلية" المستحب