هل يَزُولُ بالإِحْرَام، إن قلنا: يزول، فلا يَعُودُ النصف إليه، بل يَنْتَقِلُ حَقُّهُ إلى القيمة، وإن قلنا: لا يَزُولُ، فَيَعُودُ، ولا بدّ من اطِّرَادِ الخِلاَفِ، هذا في عَوْدِ الكُلِّ بالرِّدَّةِ، وإذا عاد الكُلُّ بالرِّدَّةِ، إليه، فيجب عليه إِرْسَالُهُ، فإن المُحْرِمَ مَمْنُوعٌ من إِمْسَاكِ الصَّيْدِ هكذا ذكر الشيخ أبو عَلِيٍّ، وغيره في هذه المَسْأَلَةِ، وهو وَجْهٌ قد ذَكَرْنَاهُ في كتاب "الحج"، تَفْرِيعاً على أن المحرم يَرِثُ الصَّيْد باختياره وقد حَكَمْنَا أن بَعْضَهُمْ قال: يَزُولُ مِلْكُهُ، كم ورث، وهو المذكور في الكتاب هُنَاكَ، ولا فَرْقَ بين البَابَيْنِ، وإذا عاد النِّصْفُ بالطَّلاَقِ، وقلنا بوُجُوبِ الِإرْسَالِ، ولم نَقُلْ بِزَوَالِ المِلْكِ، ولا يكن إِرْسَالُ النِّصْفُ إلا بِإِرْسَالِ الكل، فخرج مُخَرِّجُونَ وُجُوبَ الإِرْسَالِ على الأَقْوَالِ، فيما إذا ازْدَحَمَ حَقُّ اللهِ -تعالى- وحق الآدَمِيِّ، إن قَدَّمْنَا حَقَّ الله -تعالى- وَجَبَ عليه الإرْسَالُ، وغُرِّمَ نصف القيمة لها، وإن قَدَّمْنَا حَقَّ الآدَمِيِّ لم يَجُزِ الإرْسَالُ، وعليه نِصْفُ الجَزَاءِ لو تَلِفَ في يده، أو في يدها، وإن سَوَّيْنَا فَالخِيَرَةُ إلهما، فَإِن اتَّفَقَا على الإِرْسَالِ، غُرِّمَ لها النصف، وإلا بقي مُشْتَركاً بينهما، وهو في ضَمَان نِصْفِ الجَزَاءِ، وفيه كَلاَمَانِ:

أحدهما: أنه قد يُسْتَبْعَدُ التخريج على الأَقْوَالِ المذكورة؛ لأن الأَقْوَالَ فيما إذا ازْدَحَمَ حَقُّ الله تعالى -وحَقُّ الآدَمِيِّ على مَحَلٍّ وَاحِدٍ، كازْدِحَامِ الزَّكَاةِ والدُّيُونِ في التركة، وهاهنا النِّصْفُ الذي تمْلِكُهُ المَرْأَةُ لا ازْدِحَامَ فيه، فإنها غير مُحْرِمَةٍ، وليس على المُحْرِمِ إِرْسَالُ مِلْكِ الغَيْرِ، وإذا تَضَمَّنَ إِرْسَالُهُ مِلْكَ نَفْسِهِ تَفْوِيتَ مِلْكِ الغير، وَجَبَ أن يُمْنَعَ منه، وهذا ما ذكره الشَّيْخُ أبو علي في الشَّرْحِ

والثاني: لأنا إذا أَوْجَبْنَا الإرْسَالَ، كان هذا شبِيهاً بِسِرَايَةِ العِتْقِ إلى نصيب الشريك، فَيَخْتَصّ بالمُوسِرِ كالسِّرَايَةِ.

قَالَ الغَزَالِيُّ: (الفَصْلُ الرَّابعُ فِي هِبَةِ الصَّدَاقِ مِنَ الزَّوْجِ) وَذلِكَ يَنْفَذُ في الدَّيْنِ بِلَفْظِ العَفْوِ وَالإِبْرَاءِ، وَلاَ حَاجَةَ إِلَى الَقبُولِ، وَيَنْفَذُ بِلَفْظِ الهِبَةِ وَيَحْتَاجُ إِلَى القَبُولِ عَلَى أَحَدِ الوَجْهَيْنِ، وَلَفْظِ العَفْوِ وَالإِبْرَاءِ لاَ يُزِيلُ المِلْكَ في العَيْنِ، وَلَيْسَ لِلوَلِيِّ العَفْوُ عَنْ صَدَاقِ الصَّغِيرَةِ عَلَى الجَدِيدِ، وَفِي القَدِيمَ لَهُ ذَلِكَ إِنْ كَانَ مُجْبِراً وَلَمْ تَكُنْ مُسْتَقِلَّةً وَجَرَى بَعْدَ الطَّلاَقِ وَقَبْلَ الدُّخُولِ.

قَالَ الرَّافِعِيُّ: الفصل مَعْقُودٌ لِبَيَانِ حُكْم الشَّطْرِ، فيما إذا وَهَبَتِ الصَّدَاقَ من الزَّوْج، ثم طَلَّقَهَا قبل الدخول، وهو مُصَدَّرٌ بِبَيَانِ قاعدتين مُسْتَمَدَّتَيْنِ من قوله تعالى: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلاَّ أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [البقرة: 237].

ومعنى الآية: أن الصَّدَاقَ يُنَصَّفُ بالطَّلاَقِ قبل الدُّخول، إلا أن تَعْفُو الزَّوْجَةُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015