وعن أبي حنيفة: أن الزِّيَادَةَ إن حَدَثَتْ قبل تَسْلِيم الصَّدَاقِ إليها، رجع الزَّوْجُ في نِصْفِ الأصْلِ، ونصف الزيادة، وإن حَدَثَتْ بعد التسليم، فينظر إن لم تَحْدُثِ الزِّيَادَةُ في العَيْنِ، كالكَسْب والولد، فيسلِّم لها، وَيَخْتَصُّ الرُّجُوعُ بنصف الأَصْلِ، وإن حَدَثَتْ في العَيْنِ منعت الرَجوع إلى عَيْنِ الصَّدَاقِ، كما ذَكَرَهُ في الرَّدِّ بالعَيْبِ، ثم في "الشامل" و"التتمة" أن الذي قُلْنا: إن الوَلَدَ يبقى لها، ويرجع الزَّوْجُ بِنصْفِ الأَصْلِ مفروض في غير الجَوَارِي، وأما في الجَوَارِي، فليس له الرُّجُوعُ في نصف الأم؛ لأنه يَتَضَمَّنُ التَّفْرِيقَ بين الأم والولد في بعض الزَّمَانِ، لكنه يرجع إلى القِيمَةِ، فإن ساعدته المَرْأَةُ وَرَضِيَتْ برجوعه إلى نِصْفِ الأم، فهو كالتَّفْرِيقِ بين الولد والأُمِّ بالبيع.

وإن كانت الزِّيَادَةُ مُتَّصِلَةً كالسِّمَنِ، وتَعلَّم القرآنِ، والحِرْفَةِ، فلا يَسْتَقِلُّ الزوج بالرجوع إلى عَيْنِ الصَّدَاقِ، ولكن الخيار لها (?)، فإن أَبَتْ لم تُجْبَرْ عليه، ويرجع الزَّوْجُ إلى نِصْفِ القيمة من غير تلك الزيادة، وإن سمحت أُجْبِرَ على القَبُولِ، ولم يكن له طَلَبُ القِيمَةِ.

وفي "المجرد" للحناطي وجه: أنه لا يُجْبَرُ على القَبُولِ؛ لما فيه من المِنَّةِ، والظَّاهِرُ الأول، والزِّيَادَةُ المُتَّصِلَةُ لا تفرد بالتصرف، بل هي تَابِعَةٌ فلا تَعْظُمُ فيها المِنَّةُ.

قال الأصحاب: ولا تَمْنَعُ الزِّيَادَةُ المتصلة الاسْتِقْلاَلَ بالرجوع، إلا في هذا الموضع، فأما في سَائِرِ الأُصُولِ، فإنها لا تمنع، كما إذا أَفْلَسَ المشتري بالثَّمَنِ يرجع البَائِعُ في المبيع، مع الزِّيَادَةِ المتصلة، وكذا الوَاهِبُ يرجع في المَوْهُوبِ مع الزيادة المُتَّصِلَة، والمشتري إذا ردَّ المَبِيعَ بالعيب، يرجع في العِوَضِ مع الزيادة المُتَّصِلَةِ، فهؤلاء يستقلون بالرجوع معها، وفَرَّقُوا بأن المِلْكَ في هذه المَسَائِلِ يَرْجِعُ بطريق الفَسْخ، والفسخ إما أن يَرْفَعَ العَقْدَ من أصْلِهِ، أو لا يرفع، إن رفعه، فكأنه لا عَقْدَ، وحدثَت الزِّيَادَةُ على مِلْكِ الأَوَّلِ، وإن لم يَرْفَعْهُ، فالفُسُوخُ مَحْمُولَةٌ على العُقُودِ، ومشبهة بها، والزيادة تَتْبَعُ الأصْلَ في العقود، فكذلك في الفُسُوخَ، وعَوْدُ المِلْكِ في الشَّطْرِ بالطلاق، ليس على سَبِيل الفُسُوخ، ألا ترى أنه لو سَلَّمَ العَبْدُ الصَّدَاقَ من كَسْبِهِ، ثم عتق، وطلق قبل الدخول يكون الشَّطرُ له لا للسَّيِّدِ، ولو كان سَبِيلُهُ سَبِيلَ الفسوخ، لَعادَ إلى الذي خرج عن مِلْكِهِ، وإنما هو ابْتَداءُ مِلْكٍ، يثبت فيما فرض صَداقًا لها، قال الله تعالى: {فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} [البقرة: 237] وليس الزِّيَادَةُ الحَادِثَةُ مما فرض، فلا يعود إليه شَيْءٌ منها، وفرق أبو إسْحَاقَ بين الصُّورَةِ التي نحن فيها، وبين صورة إِفْلاَسِ المُشْتَرِي أن هناك لو مَنَعْنَاهُ من الرُّجُوعِ إلى العَيْنِ، لم يتم له الثَّمَنُ لِمُزاحَمَةِ الغُرَمَاءِ،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015