وَعَلَى الاكْتِفَاءِ بِأَلْفٍ باطِنًا فَالْوَاجِبُ مَهْرُ السِّرِّ أَوِ العَلاَنِيَةِ فِيهِ قَوْلاَنِ، مَأْخَذُهُمَا أَنَّ العِبْرَة بِالاصْطِلاحَ الخَاصِّ أَوِ العَامِّ.

قَالَ الرّافِعِيُّ: إذا اتَّفقُوا على مَهْرٍ في السِّرِّ (?)، وأَعْلَنُوا بأَكْثَرَ من ذلك، فعن الشَّافِعِيِّ -رضي الله عنه- أنه قال في موضع: إن المَهْرَ مَهْرُ السِّرِّ، وقال في موضع آخر: إِن المَهْرَ مَهْرُ العَلانِيَةِ، وُينْسَبُ هذا إلى "الإِملاء".

وفيها طريقان للأصحاب:

أحدهما: إِثْبَاتُ قولين في المَسْأَلَةِ، وبه قال المُزَنِيُّ، وفي موضعهما طريقان مذكوران في "النهاية":

أحدهما: أن موضع القَوْلَيْنِ، ما إذا اتَّفَقُوا على ألف واصْطَلَحُوا على أن يعبروا عن الألف في العَلاَنِيَةِ بألفين، أَظْهَرُ القولين: أن الوَاجِبَ ألْفَانِ لَجَرَيَانِ العَقْدِ على اللفظ الصَّرِيحِ في معناهما.

والثاني: أن الواجِبَ أَلْفٌ اعْتِبارًا بما تَوَاضَعُوا، واصْطَلَحُوا عليه، والألْفَاظُ لا تعني لأعْيَانِها، وإنما ينظر إلى مَعَانيهَا ومقصودها، فهذا ما أَوْرَدَهُ في الكتاب، حيث قال: "إن العِبْرَةَ بِالإصْطِلاَحِ الخَاصِّ أو العَامِّ".

والثاني: إثْبَاتُ قولين مهما اتَّفَقُوا على أَلْفٍ، وجرى العَقْدُ بِألْفَيْنِ، وإن لم يَتَعَّرَضُوا لتعبير اللغة، والتَّعْبِيرُ بالألفَيْنِ على ألف اكْتِفَاءً بما قَصَدُوهُ ورَضُوا به.

قال الإِمام قَدَّسَ الله روحَهُ: وعلى هذه القَاعِدَةِ تَجْرِي الأَحْكَامُ المتَلَقَّاةُ من الألْفَاظِ، فلو قال لزوجته: إذا قُلْتُ: أنت طَالِقٌ ثَلاَثًا، لم أُرِدْ به الطَّلاَقَ، وإنما غَرَضٍ أن تَقُومي وتَقْعُدِي، أو أُرِيدُ بالثلاث واحِدَةً، فالمذهب أن ذلك لا عِبْرَةَ به.

وفيه وجه أن الاعْتِبارَ بما تَوَاضَعَا عليه. ثم ما المَعْنَى بما أَطْلَقْنَاهُ في الطريقين من الاتِّفَاقِ في السِّرِّ، أهو مُجَرَّدُ التَّرَاضِي، والتَّوَاعد أم المُرَادُ ما إذا جَرَى العَقْدُ بألف في السِّرِّ، ثم عَقَدُوا بألفين في العَلاَنِيَةِ، منهم من يُشْعِرُ كَلاَمُهُ بالأول، وقَضِيَّة لفظ "التهذيب" وغيره إِثْبَاتُ القولين، وإن جرى العَقْدَانِ قال صاحب "التهذيب" وخَرَّجَ بعض أصحابنا من هذا الخِلاَفِ أن المُصْطَلَحَ عليه قبل العَقْدِ كالمَشْرُوطِ في العَقْدِ، وقد تَقَدَّمَ ذِكْرُ ذلك.

والطريق الثَّانِي: وهو الأَصَحُّ تَنْزِيلُ النصين على حالين، فحيث قال: المَهْرُ مَهْرُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015