امْرَأةٍ، وأصْدَقَهَا أُمَّةُ لم يَصِحَّ الصَّدَاقُ؛ لأن ما يجعله صَدَاقاً عن ابنه يدخل في مِلْكِ الابن أولاً، ثم يَنْتَقِلُ إلى المَرْأَةِ، ولو دخلت في مِلْكِهِ لَعُتِقَتْ عليه، وامْتَنَعَ انْتِقَالُهَا إلى المرأة صَدَاقاً، فيصح النِّكَاحُ، وَيَفْسَدُ الصَّدَاقُ، وإذا فَسَدَ الصَّدَاقُ، جاء الخلاف في أن الوَاجِبَ مَهْرُ المِثْلِ، أو قيمتها، هذا ما ذكره في هذه الصُّورَةِ، لكن ذكرنا خِلاَفاً فيما إذا أَصْدَقَ الأبُ الصَّغِيرَ من مَالِ نَفْسِهِ، ثم بلغ الابن، وطَلَّقَ قَبْلَ الدخول، في أن نِصْفَ المَهْرِ يَرْجِعُ إلى الابْنِ، أو الأب فمن قال: يرجع إلى الأَبِ، فقد يُنَازعُ في قولنا: لا يَدْخُلُ الصَّدَاقُ في مِلْكِهَا، حتى يَدْخُلَ في ملك الابن.

قَالَ الغَزَالِيُّ: (الخَامِسُ) أنْ يُزَوِّجَ مِنَ ابْنِهِ بِأَكْثَرَ مِنْ مَهْرِ المِثْلِ أَوْ ابْنتِهِ بِأَقَلَّ مِنْ مَهْرِ المِثْل فَيَفْسَدَ الصَّدَاقُ وَفِي صِحَّةِ النِّكَاحِ قَوْلاَنِ، وَوجْهُ الفَسَادِ أَنَّ الرُّجُوعِ إِلَى مَهْرِ المِثْلِ دُونَ رِضَاهُمْ وَمَا قَنِعُوا بِهِ بَعِيدٌ، وَلَو أَصْدَقَ زَوجَةَ ابْنِهِ أكْثَرَ مِنْ مَهْرِ المِثْلِ وَلَكِنْ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ جَازَ وَإِنْ كَانَ يَدْخُلُ في مِلْكِ الابْنِ ضِمْناً.

قَالَ الرَّافِعِيُّ: إذا قَبِلَ النِّكَاحَ لابْنِهِ الصغير, أو المَجْنُونِ، بمهر المِثْلِ، أو دُونَهُ، أو بعين مال من أمْوالِهِ، هي قَدْرُ مَهْرِ المِثْلِ، أو دونه، صح، وإن قَبلَهُ بأكثر من مَهْرِ المِثْلِ، فالصداق فَاسِدٌ , وكذا لو زَوَّجَ ابْنَتَهُ المَجْنُونَةَ بأقل من مَهْرِ المِثْلِ، أوابنته البِكْرِ الصغيرة، أو البَالِغَةَ، ولم يُرَاجِعْهَا، يَفْسَدُ الصَّدَاقُ، خلافًا لأبي حنيفة ومالك وأحمد -رضي الله عنهم- حيث قالوا: يَصِحُّ المُسَمَّى.

لنا القِيَاسُ على ما لو بَاعَ مَالَهَا، بما دون ثَمَنِ المِثْلِ، فإذا فَسَدَ الصَّدَاقُ، ففي النِّكاحِ قولان:

أصحها: لأنه يَصحُّ، كما في سَائِرِ الأَسْبَابِ المُفْسِدَةِ للصداق، ويجب مَهْرُ المِثْلِ، وفيما إذا أَصْدَقَهَا عَيْناً وَجْهٌ لأنه يَصِحّ التَّسْمِيَةُ في قَدْرِ مَهْرِ المِثْلِ.

والثاني: لأنه لا يَصِحُّ النكاح؛ لأنه تَرَكَ ما فيه حَظُّهَا وَمَصْلَحَتُهَا، فأشبه ما إذا زَوَّجَها من غير كُفْءٍ وأيضًا فإن الَّتِي قَبِلَ نِكَاحَها، لم تَرْضَ إلا بالزِّيَادَةِ على مَهْرِ المِثْلِ، فإذا رددنا إلى مَهْرِ المِثْلِ، لم يكن النكاح مُرْضِيًا به، والذي زَوَّجَ ابْنَتَهُ منه، لم يَرْضَ إلاَّ بأقَلَّ من مَهْرِ المِثْلِ، فإذا ارْتَقَيْنَا إلى مَهْرِ المثل لم يكن النكاح مَرْضِيّاً به فيمتنع تَصْحِيْحُهُ، وإلى هذا يرجع معنى قوله في الكتاب: "أن الرجوع إلى مَهْرِ المثل دون رِضَاهُمْ وما قَنِعُوا به بَعيدٌ" أي: مَا قَنِعَتْ به المَرْأَةُ التي قَبِلَ نِكَاحَهَا لابنه، ولا أَوْليَاؤُهَا، ولو أَصْدَقَ ابنه من مَالِ نَفْسِهِ أكثر من مَهْرِ المِثْلِ، فقد أَوْرَدَ الإِمَامُ فيه احتمالين:

أحدهما: أنه يَفْسَدُ المُسَمَّى، كما لو أَصْدَقَ من مَالِ الابن، وذلك لأن ما يجعله صَدَاقاً، يدخل في ملك الابن، وإذا دَخَلَ في مِلْكِهِ لم يَجُزِ التَّبَرُّعُ به.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015