ولو زَوَّجَ أمتيه من عَبْدٍ على صَدَاقٍ وَاحِدٍ، صَحَّ النِّكَاحُ والصداق؛ لأن المستحق واحد، وهو كما لو بَاعَ عَبْدَيْنِ بِثَمَنٍ واحد، ولو كان له أَرْبَعُ بَنَاتٍ، ولآخر أربع بنين، فَزَوجَ أبو البَنَاتِ بَنَاتِهِ من بَنِي الآخر، صَفْقَةً واحدة بِمَهْرٍ واحد، بأن قال: زوَّجْتُ بنتي فلانة من ابنك فلان، وفلانة من فلان بألف، فقد حكى صاحب "التتمة" فيه طريقين:
إحداهما: أن في صِحَّةِ الصَّدَاقِ ما سَبَقَ من القولين.
والثاني: القَطْعُ بالبُطْلاَنِ؛ لأن تَعَدُّدَ العَقْدِ هاهنا أَظْهَرُ لتعدد مَنْ وقع العَقْدُ له من الجانبين. وقوله في الكتاب في حكاية نصِّ الربيع: لو "اشترى [عبيداً من جماعة" ليس الغَرَضُ التَّقْييدَ بما إذا كان الشِّرَاءُ من جماعة، بل لو اشترى] من وَكِيلِهِمْ، كان الحُكْمُ كذلك على ما مَرَّ.
ويجوز أن يعلم قوله: "فالبَيْعُ بَاطِلٌ " بالحاء؛ لأن عن أبي حنيفة أنه صَحِيحٌ، وقوله بعد حكايته النصين. "وقيل بِطَرْدِ القولين في الجَمِيع" فيه إِشَارَةٌ إلى أن منهم من قَطَعَ بموجب النصين، ولم يَطْرُدِ القولين وقوله: "لكنه لا خِلاَفَ ... " إلى آخره، تَوْجِيهٌ لقول الفَسَادِ، وبَيَان ترجيحه، وإن حَرَرْنَا القولين، وذلك أنه لو قال: بِعْتُكَ عَبْدِي هذا، بما يَخُصُّهُ من ألف درهم، إذا وزّع على قيمته وقِيمَةِ عَبْدِ فلان، أو قيمة عبدي الآخر فلان؛ فلا خِلاَفَ أنه لا يَصِحُّ البَيْعُ، ولو صَحَّ هناك لَصَحَّ في هذه الصورة؛ لأنه ليس فيها إلا التَّصْرِيحُ بِمُقْتَضَى العَقْدِ.
قَالَ الغَزَالِيُّ: (الرَّابعُ) أنْ يَتَضَمَّن إِثْبَاتُ الصَّدَاقِ رَفْعَهُ كَمَا إِذَا قَبِلَ النِّكَاحَ لابنه لِعَبْدِهِ وَجَعَلَ رَقَبَتَهُ صَدَاقَهَا فَيَفْسَدُ النِّكَاحُ لأَنَّهُ ثَبَتَ وَمَلَكَتْ زَوْجَها لانْفَسَخَ، أَمَّا إِذَا زَوَّجَ مِنِ ابْنِهِ امْرَأَةَ وَأَصَدْقَهَا أُمَّ ابْنِهِ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ فَسَدَ الصَّدَاقُ؛ لأَنَّهَا لا تَدْخُلُ في مِلْكِهَا مَا لَمْ تَدْخُلْ في مِلْكِهِ وَلَوْ دَخَلَتْ فِي مِلْكِهِ لَعُتِقَتْ عَلَيْهِ فَيَصِحُّ النِّكَاحُ دُونَ الصَّدَاقِ.