وينبغي أن يجيء فيه الخلافُ المذكورُ في النفقة، ولو وجَدَ قدْرَ النفقة، ولم يجدْ مؤنة الإِعْفَاف، فوجهان:
أحدهما: أنه إذا سَقَطَتِ النَّفَقَةُ سَقَطَ الإِعْفَافُ.
وأظهرهما: أنه يجب إعفافه؛ لأنه محتاجٌ إليه، وِإن كان مستغنياً عن النَّفَقة، وصار كما لو وجد النفقة دون الكسْوة، [فإنه يستحق الكسْوَةِ] (?) ولو سقط وجوب النفقة أياماً بعارضٍ، قال الإِمام: ما ينبغِي أن يكون ههنا الخلاف في وجُوب الإعفاف، ولو قدر علَى سرية، ولم يقَدِرْ على مهْرِ حُرَّة، فالوَجْه أنه لا يجب إعفافه؛ لأنهَ لا يَتعيَّن في إعفافه تزويجُ حُرَّةٍ، كما سيأتي، وبهذا يَتبيَّن أنَّ فِقْدان المهر بخصوصه غيرُ معتبرٍ، وإنما المعتبر ألا يجد ما يتمكَّن به من الاستمتاع.
[القيد] الثالث: الحاجة إلى النِّكاح، وإذا أظهر الحاجة إلَى قضاء الشهوة والرغْبَةِ في النكاح، فيُصدَّق من غير يمين؛ لأن تحليفه في هذا المقام لا يليقُ بحرمته، ولكن لا يحلُّ له طلب الإعفاف إلا إذا صدَقَتْ شهوته بحَيْث يخاف العنت أو يضرّه التعزُّب، ويشقُّ عليه الصَّبْر.
قال الإِمام: ويُحْتمل أن يشترط خوْفُ العنت، كما في نكاح الأَمَة، لكن الأول أظْهَرُ.
المسألة الثالثة: المرادُ من الإِعفاف أن يُهَيِّئَ له مستمتعاً بأن يعطيه مهر حرة ينكحها، أو يقول له: انْكَحْ، وأنا اْعَطي المهر أو يباشرُ النكاحَ عن إذْن الأب، ويعطي المَهْر أو بأن يملكه جاريةً لم يطأها، أو يُعْطِيه ثمنَ جاريةٍ، ولا فرْقَ بين أن تكون الحُرَّةُ المنكوحةُ مسلمةً أو كتابية، وأومأَ القاضي الرَّوَيانِيُّ إلى أن من الأصحاب من لم يكتف بالكتابيَّة، وليس للأب أن يعيِّن النكاح، ولا يرضى بالتسِّري، ولا إذا اتفقا على النكاح أن يعيِّن امرأةً رفيعةَ المهْر؛ لفضيلة جمالٍ أو شرفٍ، وإذا اتفقا على قدْر المهْر، فتْعِيين المرأة بعد ذلك إلى الأب، ولا يجوز أن يُملِّكه أو يزوجه عجوزاً أو شوهاء، كما ليس له أن يطعمه في النفقة طعاماً فاسداً لا ينساغ، ثم يَجِبُ عليه أن ينفق علَى زوجة الأب أو أمتِهِ [ويقوم] (?) بمؤنتها ولو أيسر الأبُ بَعْد ما ملكه الابنُ جاريةً أو ثمنها، لم يكن لَه الرجوع، كما لو دفع له النفقة، فلم يأكْلها، حتى أيسر، ولو كانتُ تحته صغيرةٌ، أو عجوزةٌ أو رتْقاءُ، ولم تندفعْ حاجَتُه، فالقياسُ وجوبُ الإعفاف، وأَنَّه لا يجتمع عليه نفقتان، وإذا ماتتِ الأمةُ التي ملكها أو الحُرَّة التي تزوجها، أو فَسَخ النكاح بعيبها، أو فسخت بعيبه، أو انفسخ النكاحُ بِرِدَّة أو رضاعٍ، بِأَنْ أرضعت التي نكَحَها صغيرةً كانت