وأصحُّهما: لاَ؛ لقوله تعالَى: {فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ} [الأحزاب: 28] فلو حصل الفراق باختيارها الدنيا، لما كان للتسريح معنى؛ ولأنه تخييرٌ بين زينة الدنيا والآخرة، فلا يحصل الفراق باختيار الدُّنْيَا، كما لو خُيَّرَ الْوَاحِدُ من الأمة زوجته، بَيْنَ الدُّنْيَا والآخرة، فاختارتِ الدُّنْيَا.
وهل يعتبر أن يكون جوابُهُنَّ على الفور؟ فيه وَجْهَانِ مبنيَّانِ على الوجهين في حُصُول الْفِرَاقِ بنَفْس الاختيار. فإن قلْنا بحصوله، وَجَب أن يَكُونَ على الْفَوْرِ.
وإن قلْنا لا يحصل، جاز فيه التَّرَاخِي.
وهذا ما أورده القاضِي ابنُ كَجٍّ؛ واحتج لهذا الْوَجْهِ بأنَّ النبيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لما أنزلت آية التخيير، بَدَأ بِعَائِشَةَ -رضي اللهُ عنها -؛ وقال: "إِنِّي ذَاكِرٌ لَكِ أَمْرَاً، فَلاَ تُبَادِرِينِي بالْجَوَابِ؛ حَتَّى تسَتأمري أَبَوَيْكِ" (?).
واعترض الشيخُ أبو حَامِدٍ بِأَنَّ النَّبيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَرَّحَ بِمَدِّ خِيَارِهَا هُنَاكَ، إِلَى مُرَاجَعَةِ اْلأبَوَينِ، والْكَلاَمُ فِي التَّخْييرِ الْمُطْلَقِ.
فإن جعلناه على الْفَوْرِ، فيمتدُّ بامتداد المَجْلِسِ، والمعتبر ما يُعَدُّ جواباً في الْعُرْفِ. حكى القاضي أبو سعيد الهَرَوِيُّ فيه وجهين، وفي "الْجُرْجَانِيَّاتِ" لأبي الْعَبَّاسِ الرُّوَيانِيِّ، ذَكَرَ وَجْهَيْنِ في أنَّه، هل كان يجوز للنبي -صلي اللَّهُ عليه وسلم- أن يجعل الاختيار إلَيْهِنَّ قبل المشاورة معهن؟ فيه وجهين في أنه، هل كان قَوْلُهَا: اخترت نفسي، تصريحاً بالْفِرَاقِ؟ ووجهين في أنَّه، هل كان يحل له التزوُّج بها بعد الفِرَاقِ؟.