الباب الثاني من قسم الصدقات عَلَى المنع، وذكر في المؤلَّفة قولاً قدَّمناه، وأنهم يعطَوْنَ من سهم المؤلَّفة، وسهم سبيل الله، وللأصحاب ثلاثة طرق:

أظهرهما: أن فيها قَوْلَيْن:

أحدهما: وبه قال أبو حنيفة: أنه يجوز أن يعطَى بهما؛ لأن للفقير سهماً، وللغارم سهماً، وهذا فقير وغارم، وأيضاً: فإن المغازي إذا كان من ذوي القربَى يأخذ بالوجهين.

والثاني: لا يعطَى بهما، بل بما يختار منهما؛ لأنه شخصٌ واحدٌ، فلا يأخذ بسهمين من مال واحد؛ كما لو لم يكن فيه إلا صفة واحدة، وأيضاً: فإن الله تعالَى عطف المستحقِّين بعضهم على بعض، والعطف يقتضي التغاير، وكلام الشافعيِّ -رضي الله عنه- والأصحاب إلى هذا القولِ أميلُ.

والطريقُ الثاني: القطْع بالمنع، وتأويلُ ما ذكره في المؤلَّفة؛ على ما تقدَّم.

والثالث: إن كان السببان من جنس واحد؛ كما لو كان فقيراً غارماً لغَرضِ نفسه، فلا يعطَى بهما؛ لأن الفقير وهذا الغارِمَ يعطيانِ لحاجتهما إلَيْنا، وكذا لو كان غازياً وغارماً لإصلاحِ ذات البين، فإنهما يعطيان لحاجتنا إليهما، وإن اختلف السببان، كما لو كان غازياً وغارماً لغرض نفسه، أو كان غازياً وفقيراً، فيعطَى، بهما لأن استحقاق الغازي لحاجتنا إليه واستحقاق هذا الغارم والفقير لحاجته إلينا، وشبَّهوه بالميراث، إذا اجتمع في الشخص جهتا فرضٍ لا يعطى بهما، وإن اجتمع جهةُ فرض، وجهةُ تعصيب، يعطَى بهما، فإن قلنا: بالمنع، فلو كان العامل فقيراً، فوجهان، بناءً على أنَّ ما أخذَه العامل أجرة؛ لأنه إنما استحق بالعمل أو صدقة؛ لأنه معدود في مستحقِّ الصدقة، وفيه وجهان، لأن جوزنا أن يعطى لمعنيين، فيجوز أن يعطَى لمعانٍ أيضاً، قال الحناطيُّ (?): "ويحتمل إلاَّ يعطَى إلا لمعنَيَيْن".

قَالَ الْغَزَالِيُّ: الثَّالِثَةُ يَجِبُ (ح م و) اسْتِيْعَابُ الأَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ عَنْدَ القُدْرَةِ فَإنْ فُقِدَ صِنْفٌ رُدَّ نَصِيبُهُ إِلَى البَاقِينَ، وَلاَ يَجِبُ اسْتِيعَابُ آحَادِ الأَصْنَافِ، بَلْ يَجُوزُ الاقْتِصَارُ عَلَى الثَّلاثةِ فَإنَّهُ أَقَلُّ الجَمْعِ، فَإِنِ اقْتَصَرَ عَلَى اثْنَيْنِ غُرِّمَ لِلثَّالِثِ أَقَلُّ مَا يُتَمَوَّلُ؟ لِأَنَّ التسوِيةَ بَيْنَ آحَادِ الصِّنْفِ غَيْرُ وَاجِبَةٍ فَإنَّهُ لاَ حَصْرَ لَهُمْ، بِخِلاَفِ التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الأَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ، وَقِيلَ: إِنَّهُ يُغَرَّمُ الثُّلُثَ، وَإِنْ عُدِمَ في بَلَدٍ جَمِيعُ الأَصْنَافِ فَلاَ بُدَّ مِنْ نَقْلِ الصَّدقَةِ، وإِنْ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015