العباداتِ، وكان الكَسْب يمنعه عَنْها أو عَنِ استغراقِ الوَقْت بها، فلا تَحِلُّ له الصدقة؛ لأن الكسْبَ وقَطْع الطمع عما في يد الناس أولَى من الإقبالِ على النوافِلِ مع الطَّمَع، وإذا لم يجدِ الكَسُوبُ مَنْ يستعملُهُ، حَلَّ له الزكاةُ، وهل يشترط في الفقير الزمانة، والتعفُّف عن السؤال؟ فيه طريقان:

أشهرهما: أنه عَلَى قولَيْنِ: القديمُ: نعم؛ واحتجَّ له بأنه إذا سأل، أُعْطِي: وإذا لم يكن زَمِناً، كان له نَوْعٌ كَسب؛ فيكون مسكيناً لا فقيراً، وبأنَّ الفقيرَ مشتقٌّ من كسر الفِقَارِ الذي هو مُهْلِكٌ، وقضية هذا الاشتقاقِ عدَمُ القدْرةِ على الإطْلاَق، والجديدُ لا بل الزَّمِنُ وغير الزمن والسَّائل وغير السائل سواءٌ في الاستحقاق؛ لأن النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- "أَعْطَى من سأل الصَّدَقَةَ، وهو غير زمن (?)، ولأن استحقاقَ الفَقِيرِ بالحاجَةِ، والحاجةُ موجودةٌ، وإن لم يكن زَمِناً، إذا لم تكن له حرفة، أو كانَتْ ضعيفةً، لا وقْعَ لَهَا في حقِّ السائل أيضاً، وبهذا قال المُزَنِيُّ.

والثاني: القَطْعُ بعدم اشتراطِهَا، وإليه مال المُعْتَبَرُونَ، وأَولَّوُا ما نقل عن القديم، ومنَعُوا التوجيه المذكورَ.

وقوله في الكتاب: "وهو الَّذِي لا يملك شَيْئًا أصْلاً" غيْرُ معمولٍ بظاهره، بل المعنَى: أنه لا يملك شيئاً أو لا يملك إلاَّ مالاً، وقع له بالإضافةِ إلَى حاجته، وكذا قوله: "ولا يَقْدِرُ عَلَى كسب يليق بمروءته" وليعلم بالحاء؛ لما ذكرنا، وقوله: "على الجديد" بالواو؛ للطريقة الأخْرَى.

قَالَ الْغَزَالِيُّ: وَالمَكْفِيُّ بِنَفَقَةِ أَبيه هَلْ يُعْطَى فِيهِ وَجْهَانِ، وَلاَ يَجُوزُ لِلأَبِ إِعْطَاؤُهُ قَطْعاً، لأنَّه يَدْفعُ النَّفَقَةَ عَنْ نَفسِهِ، وَالمَكْفِيَّةُ بِنَفَقَةِ زَوْجِهَا لاَ تُعْطَى عَلَى أَظْهَرِ الوَجْهَيْنِ، لأَنَّ نَفَقَتَها كَالعِوَضِ.

قَالَ الرَّافِعِيُّ: مقصودُ الفَصْلِ الكلامُ في أَنَّ المكتفِيَ بإنفاق أبيه أو غيره؛ ممَّن يلْزَمُهُم النفقةُ والفقيرة الَّتِي ينفق علَيْهَا الزوجُ الغَنِيُّ (?)، هل يعطيانِ من سهم الفقراء؟

طور بواسطة نورين ميديا © 2015